This site uses cookies for analytics and personalized content. By continuing to browse this site, you agree to this use.
We have updated our Privacy Notice, click here for more information Acknowledged

بين التسول والجريمة.. أطفال ونساء أرامل على أرصفة الضياع
06/11/2008

 

 


بغداد ـ نجلاء الخالدي- الصباح
يبدأ عمل الام والاطفال منذ بواكير الصباح الاولى حتى غروب الشمس، حيث تقوم الام بتوزيع الاطفال الذين تتراوح اعمارهم بين الخمسة اعوام والحادية عشر من العمرفي الشوارع القريبة من "مأرب السيارات ومجمع الكليات في الباب المعظم" بعد ان يتسلم كل واحد منهم عدة العمل ! اوعدة التسول كما يسميها البعض وهي عبارة عن مصاحف صغيرة ، اعواد من البخورعلكة من النوع  الرديء يجمعون في اليوم سبعة الى عشرة الاف دينار حسب قول جميلة التي اشارت ان ذلك يكاد لايكفي حتى لشراء ابسط احتياجات عائلتها ,وكانت جميلة قد فقدت زوجها "فراس " في اعمال العنف التي عصفت بالبلاد في اعقاب انهيار النظام السابق في مدينة "ابوغريب "العام 2004لتجد نفسها وحيدة ومسؤولة عن اعالة خمسة اطفال واسرة جميلة التي تشكو من عدم وجود من يساعدها ،تعيش منذ ثلاثة اعوام في غرفة بمجمع "الرشيد العسكري "  الذي يضم عائلات فقيرة بينها عشرات النساء والاطفال الذين يمتهنون التسول بعد ان فقدوا من يمد لهم  يد العون والمساعدة...
اعلى النسب
جميلة ليست الوحيدة بين الاف النساء اللائي يفترشن واطفالهن ساحات وشوارع بغداد وبعضهن يتم استدراجهن في اعمال منافية للاخلاق او يتم استغلالهن من قبل المجموعات الارهابية بعد اغرائهن بالمال ، ونسبة كبيرة منهمن فقدن الزوج في الاعمال الارهابية والنزاعات المسلحة والحروب التي مزقت البلاد خلال اكثر من عقدين من الزمن ،وبالرغم من ان الحكومة لاتملك اية ارقام دقيقة بشأن عدد الارامل في العراق الاان بعض المسؤولين يقولون ان هناك اكثرمن 1.5مليون ارملة ,الا ان تقارير دولية تشير الى ان العراق  يضم اعلى النسب من الارامل  في العالم مقارنة بعدد سكانه الذي يبلغ قرابة  الثلاثين مليون نسمة بينما يصل عدد الارامل فيه نحومليوني ارملة تعيش نسبة كبيرة منهن في ظروف قاسية ونسبة كبيرة منهن لا يستطعن القراءة والكتابة وحوالي 90بالمائة يعلن اطفالهن وان لدى كل واحدة منهن اربعة اطفال ويعملن في مهن متعبة  لاتدر الا القليل من المال الذي يسد رمق يوم واحد , لكن المشكلة تكمن في امتهان نسبة كبيرة منهن  التسول اوحتى اعمال منافية للاخلاق في سبيل الحصول على  لقمة العيش .
امتهان التسول
 تشير الطالبة في كلية التربية 'ضحى ناصر"إلى أن كثرة المتسولين من الاطفال والنساء هنا بالقرب من مجمع الكليات في الباب المعظم  أصبح أمراً مزعجاً و مؤلماً في الوقت ذاته بالنسبة لها ولصديقاتها، فبمجرد وصولنا لمدخل المجمع يبدأهؤلاء النسوة والاطفال بالتوسل لإعطائهم أموالاً، ما يسبب لنا الاحراج، فإذا أعطيت احدهم يأتي الآخرون بعد لحظات ويطلبون الشيء نفسه وهكذا تتكرر القصة ذاتها في كل يوم مع نفس الاشخاص صديقتها نور عبد الله تقول: الظرف الاقتصادي الصعب الذي مربه العراق خلال السنوات الماضية ومن ثم الاعمال الارهابية والتهجير دفع بالعديد من النساء والاطفال الى امتهان التسول , وتعتقد عدد من والنساء المتسولات اللاتي تحدثنا معهن أن وضعهن المادي أجبرهن على  للتسول والجلوس في التقاطعات  والساحات العامة . وتجلس إحدى المتسولات على الرصيف بجانب جامع "براثا " وسط بغداد  تنتظرخروج المصلين وتطلب منهم المساعدة. تقول تلك المرأة 'لقد تعودت على هذا المكان، حتى المصلين هنا أصبحوا يعرفون مكان وجودي، وبعضهم يعطيني مالاً قبل أن أتوسل إليه.
ويشير خلف عبود، صاحب محل ملابس في شارع فلسطين ،أن ما يقرب من عشرة متسولين يدخلون محله يومياً ليطلبوا منه المساعدة. ويضيف 'الأمر أصبح يدخل في قصة الإحراج والخجل، ويعلق ضاحكا احياناً لا يدخل محلي اي زبون, لكن يدخله اكثر من خمسة متسولين والامر ذاته يحصل مع باقي المحال المجاورة لي.
وبالرغم من المحلات التي تقوم بها وزارة العمل والشؤون إلاجتماعية للقضاء والحد من ظاهرة التسول الا ان أعداد هؤلاء تزداد يومياً، وذهب بهم البعض لطرق أبواب المنازل الجميلة وطلب الأموال بطريقة الدعاء لهم ولأولادهم صباح كل يوم.
تقول منال قاسم "ربة بيت "أن الأمر أصبح ظاهرة سلبية وصلت لحد ازعاجنا في بيوتنا، حتى بلغ بي الأمر لطردهم بمجرد أن أراهم فقط. فأنا لن أسمح بأن يدخل احد أسوار منزلي، خوفاً أن يسرق مقتنيات من بيتي
وتضيف: نسمع الكثير من حالات السرقة التي تتم من خلال متسولين أو غير ذلك، فأنا أقطع الشك باليقين قبل أن يسرقني احد.
حملة لمكافحة التسوّل
بالرغم من الحملات المستمرة التي تقوم بها وزارة العمل والشؤون الاجتماعية بين  الحين والاخر لمطاردة المتسولين في بغداد وعدد من المحافظات, لكن سرعان ماتعود  افواج المتسولين الى مزوالة التسول بعد يوم او ثلاثة ايام على الرغم من استمرار  وزارة العمل في الحملة التي بدأت مطلع  الاسبوع الماضي استنفرت فيها جميع  امكاناتها وبالتعاون مع عدد من وزارة الدولة، وفي هذا الاطار يشير المستشار الاعلامي في الوزارة عبدالله اللامي ثلاث فئات من المتسولين من كلا الجنسين حيث وضعت الوزارة برنامجاً  لاستيعابهم في دور الرعاية التابعة للوزارة، لكن سرعان ما يهجر المتسولون هذه الدورلاسيما النساء وبالرغم من ان  وزارة العمل خصصت ضمن برنامج شبكة الرعاية الاجتماعية مبالغ  للنساء اللواتي فقدن المعيل، الاان هذه المبالغ التي تترواح  بين 75الى 150 الف دينار لاتكفي  لسد متطلبات المعيشة  تقول هند عباس "ارملة وام لطفلين " ان هذه  المبالغ تبدو مضحكة للبعض في ظل الارتفاع  المستمرلاسعار المواد الغذائية والاحتياجات المنزلية الاخرى.
الحكومة ومشاريع الاسرة
ينتقد المستشار القانوني في "لجنة المرأة والاسرة والطفولة "في مجلس النواب امين عبد القادر الاسدي المعونات المالية التي تقدمها وزارة العمل والشؤون الاجتماعية  للشرائح  الفقيرة من النساء، مشيرا الى ان هذه المعونات ليست سوى مهدي وليس علاجا فعالا لان ماتقدمه الوزارة قليل جدا ولايتناسب مع الارتفاع المستمرفي اسعار المواد الغذائية فضلا عن ارتفاع اجور السكن ,مشيرا الى ان اللجنة كانت قد رفعت في وقت سابق قانوناً يمنح النساء اللواتي بلا معيل مسكنا حتى يجنبهن عواقب الانزلاق في مهاوى البغاء او الاستغلال من قبل المسلحين، الا ان المناشدات التي رفعت الى الحكومة لم تجد اذانا صاغية وامل مستقبلا ان تولى حكومة نوري المالكي اهتماما اكبر بمشكلات المرأة والطفولة في العراق باعتبارهما الركيزة التي يبنى عليها اي مجتمع ناهض، لاسيما ان الحكومة انشغلت كثيراً في السنوات القليلة الماضية بقضايا الامن  والسياسة واهملت مشكلات المرأة والطفولة ما انعكس بشكل كبير على مشكلة البلاد الرئيسة وهي استتباب الامن وولدت من رحم هذه المشكلة العديد من المشكلات ابرزها الارهاب والبطالة لذا يجب على الحكومة ان تولي اهتماما اكبر بالمشاريع التي تهتم بالمرأة والاسرة والطفولة في العراق خصوصا بعد ان استقرت الاوضاع الامنية ولو بشكل نسبي في العديد من مناطق البلاد.
خطة لمساعدة النساء والاطفال
من بين المشاريع المعروضة على الحكومة والتي تهتم بالمرأة والطفولة في العراق "خطة ستراتيجية التغيير والتحول  الاجتماعي " قدمتها لجنة "المرأة والاسرة والطفولة "في مجلس النواب ,تستهدف الخطة الشرائح الاكثر تضررا في المجتمع  العراقي بعد ان عانت هذه  الشرائح من العزل والتهميش والاذلال وتغييب الدور في جميع الميادين، وتطرح هذ الخطة برامج ستراتيجية للنهوض بواقع  المرأة والاسرة بالتعاون والتنسيق مع العديد من الوزارات كالعمل والصحة والتربية والثقافة اضافة الى مؤسسات المجتمع  المدني, والهدف من الخطة بحسب قول عضوالبرلمان والمبادرة لهذه  الخطة سميرة الموسوي هو ايجاد برامج ستراتيجية ومدروسة للنهوض بواقع  المرأ ة والطفولة لان اختصاص لجنة المرأة والطفولة والاسرة" في البرلمان هو الاهتمام بتطوير القوانين والمشاريع  الخاصة في رعاية  الامومة والطفولة الى جانب الاهتمام بالاحداث ورعايتهم  لمنعهم من الانحراف والتشرد.

برنامج وطني
يقول الباحث الاجتماعي "علاء العبيدي" تفشت ظاهرة التسول بشكل كبير في العراق خلال السنوات الاخيرة بسبب تدهور الاوضاع  الامنية والسياسية في الفترة التي اعقبت سقوط النظام السابق ،الان المشكلة الكبيرة في هذه الظاهرة هي انضمام اعداد كبيرة من النساء والاطفال الى قوافل المتسولين  الذين نشاهدهم كل يوم في الأحياء الراقية والتجمعات التجارية الكبرى والمؤسسات الإدارية، على الرغم من أن هناك برنامجا وطنيا لمحاربة هذه الظاهرة الا ان هذا البرنامج  لايكتمل دون ايجاد حلول جذرية للمشكلة ويتساءل العبيدي ما الجدوى من منع المتسولين من العودة الى الشوارع  والتقاطعات بعد استهدافهم في كل حملة؟ اذ سرعان مايعودون مرة اخرى الى ممارسة ذات العمل .لذا يجب على وزارة العمل والجهات الساندة ان  تضع برنامجا حقيقياً ومدروسا لكبح  الظاهرة