This site uses cookies for analytics and personalized content. By continuing to browse this site, you agree to this use.
We have updated our Privacy Notice, click here for more information Acknowledged

من التجارب العالمية الرائدة.. الرعاية الصحية في ماليزيا بين الاسـتثمار والدعم الحكومي
07/11/2008

 

 

ترجمة عادل حمود- الصباح
نتيجة لموقعها في جنوب شرقي اسيا، فان سكان ماليزيا البالغ تعدادهم 21 مليون نسمة هم خليط من الاثنيات الماليزية والصينية والهندية. وكانت ماليزيا حتى العام 1997 واحدة من اسرع بلدان المنطقة نموا في الجانب الاقتصادي. فقد كان معدل نمو الانتاج العام المحلي يصل الى نسبة 8 بالمئة فيما كان التصنيع في البلد ينأى بنفسه بعيدا عن الصناعات التقليدية التي عرف بها البلد كصناعة المطاط والقصدير، باتجاه الصناعات التكنلوجية العالية المستوى من قبيل الموصلات الصغيرة والرقائق الالكترونية المصغرة، كما كانت نسبة البطالة منخفضة ومستقرة عند مستوى 2.6 بالمئة، وكان نسبة الدخل بالنسبة للفرد هي الاعلى في جنوب شرقي اسيا. وحضت حكومة ماليزيا على هذا النمو من خلال السياسات المتحررة للاستثمار الخارجي والتي تضمنت اعفاءات ضريبية سخية بالنسبة للشركات وعدم وضع ضوابط قاسية على قطاعات مهمة مثل القطاع المالي وقطاع الاتصالات والطاقة والبث الاعلامي. وضعت مؤسسة هاريتيج العالمية، ماليزيا في المرتبة العاشرة من بين افضل اقتصاديات العالم انفتاحا.
ووصل دخل الفرد في ماليزيا العام 1997 الى 11 الف دولار مقارنة بـ8.800 دولار في تايلند و4.600 في اندونيسيا.
عندما ضربت ازمة النقد اسيا في اواسط العام 1997، ادى الانخفاض الحاد في النقد المحلي وفي سوق الاسهم، الى اجبار ماليزيا للاعلان عن اجراءات صارمة لتقليل الكلف وذلك لتقليل العجز في الميزانية الى نسبة 3 بالمئة في العام 1998 مقارنة ب نسبة 5.5 بالمئة العام 1997. نتيجة لذلك انخفض الانفاق الحكومي بنسبة 20 بالمئة وتناقص مستوى الاستيراد وتوقف العمل بالكثير من مشاريع البنية التحتية الكبيرة . وردت الحكومة ايضا بالقيام بسيطرة على الرأسمال للحفاظ على نسبة فائدة مستقرة ونسب تبادل نقدي ثابتة. لكن وبينما ساهمت تلك السيطرة في حماية البلد من انهيارات اكثر ، فان سوق الاسهم في البلد وثقة المستثمرين فيه قد تاثرت بصورة اسوأ. نتيجة لذلك فان اقتصاد ماليزيا قد انكمش باكثر من 6 بالمئة في العامين 1997- 1998 .
ولحسن الحظ فان الجهود الاصلاحية المكثفة التي بدأت منذ العام 1998 قد زادت من توقعات نمو الانتاج المحلي العام الى 2 بالمئة العام 1999 و3-4 بالمئة في العام 2000 . هذا يعتبر رقما بعيدا عن نسبة 8-9 بالمئة التي كان البلد يتمتع بها قبل الازمة، لكن مستوى عاليا من الاحتياطات المالية الاجنبية والقوة العاملة ذات المهارة العالية واستمرار تدفق الاستثمارات المباشرة والنهوض بقطاع التصنيع(فبعد 12 شهرا من الانحدار، تصاعد مؤشر الانتاج الصناعي لماليزيا بنسبة 3.9 بالمئة عام 1999 )، قد وفرت كلها الاساس والمنطلق للتعافي الاقتصادي. هذه الخطط الايجابية قد سمحت لماليزيا ايضا بتجديد جهودها في عدم وضع ضوابط قاسية على الاقتصاد مزيلة بذلك الكثير من اساليب السيطرة المصطنعة التي كانت قد فرضتها خلال الازمة مشجعة من خلال ذلك على نمو القطاع الخاص.
منظومة الرعاية الصحية في ماليزيا:
انهيار مؤسسات الرعاية الصحية في ماليزيا.. ان كل من القطاعين العام والخاص هما لاعبان مهمان في تقديم منظومة الرعاية الصحية في ماليزيا حيث ان ما نسبته حوالي 80 بالمئة من الخدمات الصحية يقدمها القطاع العام الذي لا يزال يعتبر واحدا من افضل القطاعات الصحية في المنطقة. هذا القطاع يعتمد بصورة كبيرة على الاعانات المالية ويركز على تعزيز الرعاية الصحية بالاضافة الى تركيزه على العناية التاهيلية والشفائية في المستويات الابتدائية والمتوسطة والمرتبة الثالثة. من جهته، فان القطاع الخاص ذا النمو السريع يقدم بصورة اساسية خدمات تأهيلية وشفائية ويتم تمويله على اساس لا يعتمد على الاعانات المالية الحكومية.
كانت هنالك في ماليزيا في العام 2000 ما مقداره 160 مستشفى عاما تضم 31 الفا و 390 سريرا، بالاضافة الى 215 مستشفى خاصا تحوي 9 آلاف و500 سرير.
هنالك ثلاثة انواع من المستشفيات العامة في البلد وهي المستشفيات العامة ومستشفيات المقاطعات والمؤسسات الطبية المتخصصة. وتمتلك عاصمة كل ولاية من الولايات الماليزية الستة عشر، مستشفى عام بمستوى ما بين 600 و700 سرير لكل واحد منها ويقدم كل منها طيفا متكاملا من خدمات الرعاية الصحية. ونتيجة لحجم وشمولية الرعاية المقدمة، فان المستشفيات العامة تعتبر اكثر المستشفيات تفضيلا لدى العامة في ماليزيا. مستشفيات المقاطعات والتي تكون في العادة اصغر حجما تحوي ما بين 200 الى 450 سريرا لكل منها وتقدم خدمات تشخيصية وعلاجية اساسية، فيما تخصص المؤسسات الطبية المتخصصة لعلاج امراض خاصة من قبيل الجذام والسل. وتقدم شبكة من العيادات الطبية، رعاية صحية اولية للسكان فيما تقدم منظومة احالة شاملة رعاية صحية من المستوى المتوسط او الثالث وتوجد في مستشفيات المقاطعات والمدن. وتتركز المستشفيات الكبيرة ذات المئة سرير او اكثر في المناطق السكنية.
من جهة اخرى، فان المستشفيات الخاصة توفر فقط ما مقداره 20 بالمئة من الأسرة الخاصة بالمرضى في البلد وتوظف 54 بالمئة من الاطباء في البلد. ان القطاع الصحي المتسارع النمو، قد حصل على دفع له في السنوات العشر الماضية نتيجة ارتفاع فوائد التامين المدفوع لموظفي القطاع الخاص والزيادة في دخل الفرد. ويتوقع انه سيزيد خلال السنوات الخمس عشرة القادمة من الانفاق الصحي الماليزي من 3 بالمئة من مجموع الانتاج المحلي العام الى 6 بالمئة من هذا الانتاج.
- الاتجاهات العامة في منظومة الرعاية الصحية في ماليزيا:
هنالك قلق متزايد حول اذا ما كانت الحكومة ستستمر في الحفاظ على النفقات المتصاعدة للقطاع الصحي في البلد، فقد كان الانفاق على هذا القطاع في العام 1990 حوالي 426 مليون دولار، فيما تضاعف المبلغ تقريبا في العام 1997 ليصل الى 805 ملايين دولار. وخفف الاستثمار السريع في القطاع الصحي الخاص من وطأة هذا العبء، لكنه عانى من ضربة بعد الازمة الاقتصادية للعام 1997 ما ادى الى تناقص الاعمال في المستشفيات الخاصة بنسبة تتراوح ما بين 18- 20 بالمئة وفرضت تأجيلا أمده ما بين 3-4 في تطوير المستشفيات الخاصة( من ضمنها خطط لاربع عشرة مؤسسة صحية خاصة في العامين اللاحقين)، فيما تصاعدت تكاليف الادوية والتقنيات الصحية المستوردة ايضا. منذ بداية الازمة توجب على المستشفيات الخاصة ان تتحمل من 20 -120 بالمئة من التكاليف الاضافية للادوية و نسبة 30 بالمئة في تكاليف العمليات الجراحية.
- بدائل منظومة الرعاية الصحية الحالية:
نتيجة للزيادة في نفقات الرعاية الصحية ودواعي القلق التي اعقبتها حيال القدرة على تغطية احتياجات السكان بالكامل، كانت الحكومة تفتش عن اساليب جديدة وبديلة للرعاية الصحية في البلد. فقد هدفت خطة الحكومة الماليزية السابعة (1996-2000)، على سبيل المثال للشروع باصلاح في قطاع الرعاية الصحية وعملية تقليص للنفقات من خلال عملية المشاركة التي عملت على ادارة المستشفيات بصورة تدريجية مثل ادارة الشركات، فيما ابقت على سيطرة الحكومة على تلك المؤسسات. من بين الاشياء الاخرى منحت الحكومة لادارة المستشفيات القدرة على طرد او توظيف الموظفين بالاضافة الى منحها مرونة اكثر في العمليات الادارية للمستشفى وفقا لما يستجد يوما بيوم. وبالاضافة الى توفير رعاية اكثر كفاءة، يامل المسؤولون الحكوميون بان نظام الشراكة سيضع ايضا حدا لتدفق الموظفين ذوي الخبرة الى القطاع الخاص.
مع نظام المشاركة يتوقع ان تستمر النفقات بالتصاعد. وهكذا فان الكثير من الماليزيين وبالاخص الفقراء ومتقاضي الاجور المعتدلة، سوف يحرمون من الحصول على الرعاية الصحية. ففي مستشفى جامعة بيتالين الذي حول حديثا الى مؤسسة شراكة، تصاعدت اتعاب التشخيص الاولي مثل اختبارات الدم واشعة اكس بنسبة تتراوح ما بين 150-200 بالمئة.
ونتيجة لذلك فان الحكومة تخطط ايضا لارساء نظام ضمان صحي جديد بعد ان تكون عملية الشراكة قد اكتملت. وسيكون من الضروري على كل العاملين الذين سيدفعون مبالغ من اجل الرعاية الصحية التي تقدم حاليا مجانا او بأسعار ضئيلة في المستشفيات الحكومية، التسجيل في نظام الضمان الصحي هذا.
سيقدم هذا البرنامج الذي ترعاه 44 شركة تأمين محلية، تغطية الدخول الى المستشفى واجراء العمليات الجراحية، ومن المرجح ان يتم توسيعه فيما بعد ليتضمن تغطية لاجور مراجعة العيادات الصحية.
ويهدف هذا البرنامج لشمول الماليزيين من هم في سن الثامنة والعشرين فأكثر والذين يمتلكون عوائل ويحصلون على دخل متدني او متوسط.
وتأمل الشركات المشاركة في هذا البرنامج في الحصول على نسب خاصة من المستشفيات والعيادات والاختصاصيين الطبيين ليتم بعدها تسليم هذه الفوائد الى المستهلكين. هذا البرنامج سيسمح ايضا لللاعبين الصغار الذين يفتقرون الى الخبرة والمؤسسات للاسهام بما تمتلك من موارد لتنفذ الى اعمال التأمين الصحي.
على الرغم من التاثيرات الكبيرة للازمة الاسيوية على نمو المستشفيات الخاصة، فان صناعة الرعاية الصحية الخاصة قد تملصت من الوقوع في حالة الجمود نتيجة للنمو الذي شهده سوق التأمين الصحي في البلد.
ففي الفترة ما بين نيسان وتشرين الاول 1998، على سبيل المثال كانت حوالي عشرين الى ثلاثين مجموعة او شركة تأمين خاصة تقدم بصورة فعالة مشاريع مختلفة للتأمين الصحي تستهدف منفعة الافراد والعوائل والمؤسسات.
على الرغم من بعض العقبات، فان هنالك الان سبع منظمات او مؤسسات رعاية صحية تدار بهذه الطريقة.
في نهاية المطاف استعاد الاقتصاد الماليزي قوته مما سيجعل سوق الرعاية الصحية ينشط من جديد.
هنالك حاليا اشارات مهمة على التعافي ففي بداية العام 1999 ، زادت الحكومة فعلا بزايدة تخصيصاتها للرعاية الصحية العامة والخدمات الطبية الى 1.1 مليار دولار مقارنة بمبلغ 827 مليون دولار.
ومع الجهود الحكومية الجديدة من اجل الاستمرار في تقديم الخدمات الصحية وتطويرها من خلال عملية الشراكة، فان سوق الرعاية الصحية الماليزي يجب ان يبرز بصورة اقوى مما كان عليه في السنوات القادمة.