بغداد ـ نجلاء الخالدي- الصباح
عند انتهاء العطلة الصيفية وعودة الطلاب الجامعيين لمتابعة دراستهم اذ يستغل العديد منهم العطلة بممارسة احدى المهن لاسباب ودواع مختلفة . لكن مازال هناك عدد لابأس به من الطلاب الجامعيين يتابعون عملهم الى جانب مسؤولياتهم الدراسية وأخذت اعداد هؤلاء الطلبة بازدياد سنوي ما يشكل ظاهرة تسترعي الانتباه والمراجعة ,بحيث غدت ظاهرة عمل الطلاب الجامعيين تلاقي قبولا من قبل مختلف الفئات والمستويات الاجتماعية بعدما كانت تلقى اعتراضا من قبل اكثرها.
فريال، ندى، عمار، سيف، نور وابرهيم شباب من مختلف مناطق العاصمة بغداد يجمعهم خيار واحد في هذه المرحلة وهو الدخول الى سوق العمل اثناء متابعة الدراسة الجامعية , قد يختلف هذا الخيار بدوافعه الاّ أن هدفه واحد وهو الاستقلالية المادية وبالتالي الذاتية.
رغبة في الاستقلالية
فريال ناصر طالبة في المعهد التقني الطبي تسلمت عملا لاول مرة كوظيفة صيفية خلال دراستها الثانوية وما ان انتقلت الى المعهد حتى باشرت بدوام ثابت في العمل على مدار السنة في احد مختبرات تصنيع الاسنان ,يبدأ دوام فريال من الساعة الواحدة ظهرا وينتهي عند السادسة مساء.
وكذلك الحال بالنسبة الى سيف وعماروندى "مرحلة ثالثة في كلية العلوم جامعة بغداد" دخلوا الى سوق العمل حينما كانوا طلابا في الثانوية , ان الذي دفع هؤلاء الشباب لاتخاذ هذا القرار هورغبتهم في الشعور بالاستقلالية وتحمل المسؤولية,وكذلك تحمل مصاريفهم الدراسية من دون ارهاق عوائلهم بهذا الامر وكـذلك الشخصيـة ,باستثناء نـدى التـي تعتمـد علـى اهلها فـي تغطية مصاريفهـا الجامعيـة وتعتبر ان دافعهـا الاساسي لهذا الخيـارهـو رغبتهـا في أشغـال اوقات فراغهـا بالنافـع مـن الامـور .
اكتشاف الحياة
(هبة كاظم وملاك ياسين) دخلتا سوق العمل بعد مضي اكثر من سنة على انتسابهما للجامعة بدوافع مختلفة ,فرغبة ملاك في اكتشاف الحياة العملية كانت الدافع الاساسي لها الى جانب الحصول على الخبرة في مجال العمل لاسيما انها اختارت وظيفة ضمن مجال اختصاصها "علوم حاسبات"وانها مسؤولة فقط عن مصروفها الشخصي بينما يتكفل اهلها بدفع اقساط" جامعتها الاهلية" اما دوافع هبة للعمل فهو للمساهمة مع اهلها في تغطية جزء من قسطها الجامعي فضلا عن مصاريفها الشخصية بعد تراجع وضع العائلة المادي .
العمل والدراسة
سابقا كان قطاع التعليم هو الطاغي امام خيارات طلاب الجامعة للعمل فيه ,لكن اليوم بات قطاعا التجارة والخدمات هما الطاغيان على خياراتهم لاسيما في المؤسسات والشركات التجارية التي افتتحت في بغداد بعد الحرب والتي تعد امكنة عمل جاذبة للشباب الجامعي ,ربما لرواتبها العالية نسبيا او لمرونة دوامها.
تنسيق
(سرى وعذراء وياسر ومرتضى) يعملون في احدى هذه المؤسسات ويتابع معظم هؤلاء الشباب حصصهم الجامعية بانتظام لاسيما انهم قادرون على تنظيم اوقاتهم ويملكون فرصة التنسيق بين دوام عملهم وجامعاتهم تقول سرى علي"كلية الادارة والاقتصاد": اتابع عملي الى جانب دراستي خاصة ان الشركة التي اعمل بها تعتمد بشكل اساسي على الطلاب الجامعيين وبالتالي تسمح لهم بتنسيق أوقات عملهم حسب حصصهم الجامعية
وعلى العموم ,لايأخذ هؤلاء الشباب اية عطلة في الاسبوع اثناء العام الدراسي ,لانهم يستغلون اوقات فراغهم المحدودة للقيام بواجبات الدرس والتحضير للامتحانات , وقد يقلل معظمهم من ساعات نومه للحصول على وقت اضافي لمراجعة دروسه الجامعية .
أوقات للقراءة
تقول هبة: انها قد تدرس احيانا اثناء استراحة العمل,واحيانا اخرى اثناء تنقلها في المواصلات ,وبالنسبة الى نتائجهم الدراسية فجميعهم يحققون النجاح في الامتحانات وان كانت درجات بعضهم قد تراجعت بسبب ضغوط العمل ,الا ان هناك من حافظ على مستواه العلمي ودرجاته العالية، وفي هذا الصدد تشير سرى الى انها بذلت مجهودا استثنائيا خلال العام الماضي كي تتجاوز مرحلتها وتواصل عملها في ذات الوقت ,وتحاول ان لا تشعر عائلتها بما تعانيه من ارهاق كي لايدفعوها الى ترك عملها ,وقال سيف: انه يلجأ الى بعض الحيل مع عدد من الاساتذة للتساهل معه بمسألة الحضور والامتحان. ما ساعده في التنسيق بين عمله وجامعته رغم غيابه المتكررعن الجامعة بسبب المجهود الذي يبذله في العمل .
اعترضات الأهل
تلعب الثقافة الاجتماعية دورا كبيرا في تحديد المهنة ومكان العمل ,هناك شرائح اجتماعية تسمح للابناء في العمل وشرائح اخرى ترفض فكرة عمل الابناء وهم على مقاعد الدراسة لكن على العموم باتت معظم الشرائح الاجتماعية تتقبل فكرة عمل الابناء وفي الوقت ذاته متابعة دراستهم لاسيما الفتيات .
تقول عذراء :لم يعترض احد من اهلي على خياري ولم تكن تجربتي هي الاولى في العائلة فأخي الاكبرسنا سبق ان عمل اثناء دراسته الجامعية ,اما سيف فقد واجه نوعا من التحديات مع اعمامه المتكفلين باعالة عائلته بعد وفاة والده ولم يحبذوا فكرةعمله ,لكنه حدد هدفه بتكوين شخصيته واختار العمل وسيلة للوصول الى هذا الهدف وباشر به,ولم تعترض والدة عذراء على فكرة دخول ابنتها الى سوق العمل بتاتا ,الا ان والدها اعترض واستغرقت فترة اقناعه طيلة السنة الجامعية الاولى ,على الرغم من ان اخاها قد خاضالتجربة قبلهاولم يعترض والدها ,وتعزو عذراء السبب هذا القبول الى الاختلاف بين الجنسيين ,اما هبة فلم تكن فكرة عملها مرحبا بها من قبل العائلةوخاصة من جهة والدها الذي اعترض اساسا على نوع العمل ولعبت والدتها دورا في اقناعه بحيث تقبل الفكرة بصعوبة وليس تماما , اما والد ملاك فلم يعارض الفكرة وانما والدتها هي التي عارضت في البداية,بحجة عدم الحاجة لعملها وانهم مكتفون ماليا,الا ان ملاك استطاعت اقناعها بابراز رغبتها في ذلك .
تجربة تغني وتعلّم
الباحثة الاجتماعية نسرين الشمري:
دخول الشباب الى سوق العمل اثناء متابعة تحصيلهم الجامعي ظاهرة ايجابية وانها تجربة تحمل المسؤولية وتغني الشخصية وتعلم التنظيم في الوقت والدراسة .
وتشير الشمري: الى ان سلطة الاهل المعنوية تخف عن الابناء في حالة الاستقلالية المادية وان حاول الاهل المحافظة عليها في بعض الاحيان ,لذا فان الاستقلالية المادية التي يحققها الطلاب الجامعيون بدخولهم الى سوق العمل تساهم في تحصيلهم نوعا من الاستقلالية الذاتية المعنوية ويتحدد مقدار هذه الاستقلالية نسبة الى كل عائلة بحد ذاتها.
سلبيات وإيجابيات
قبل عقد او اكثر لم نكن نرى عددا كبيرا من الشباب والفتيات يعملون في المطاعم او بائعين في محال الالبسة حيث يرى الكثير منا ان هذه الانواع من المهن معيبة اجتماعيا الا ان تدهور الوضع الاقتصادي والحصار المفروض على العراق في ذلك الحين دفع بالعديد من الشباب الجامعي الى سوق العمل مبكرا, فضلا عن التغيرات الجديدة التي طرأت على المجتمـع العراقـي بعـد السقوط فـي نيسان 2004 ساهمـت الى حـد كبير فـي نظر المجتمع الى الشباب العاملين في مهن مختلفة , ويرى عدد منهم ان ايجابيات العمل في اثنـاء الدراسة الجامعية تكمن في الاستقلالية, زيادة قـوة الشخصية , والثقة بالنفس واكتساب الخبرة لاسيما في العاملون منهم في مجال اختصاصاتهم اما سلبيات العمل في مثل هـذه المرحلة فتكمن فـي الارهـاق الجسدي والنفسي الناتج عن العمل لفتـرات طويلـة وقـد يؤثـر علـى مستوى الاداء الدراسي وكذلك مستوى الحالة الصحية والنفسية التي تتطلبهما فترات الدراسة والتحضيرات للنجاح فيها