عدنان شيرخان- الصباح
المجتمع المدني الذي يسود في الدول الديمقراطية العريقة انجاز انساني رائع ومتميز، ولم يعد تجربة يتساوى احتمال نجاحها مع فشلها، لقد تعمقت جذوره الى الحد الذي يمكن الجزم باستحالة العودة الى نظام شمولي يصادر الحريات وينتهك حقوق الانسان. استأثرت احوال المجتمع المدني الغربي الرائعة باهتمام ومتابعة الحالمين بنقل التجربة او استنساخها في بلدان فقد الطغاة فيها رغم ظلمهم نتيجة تقارب المسافات بين الدول نتيجة ثورة الاتصالات والمعلومات، او تلك التي خرجت لتوها تجر وراءها ارثا مرا ثقيلا. والعديد يبحث عن الاجابة عن تساؤل كبير : كيف تمكنت اوروبا ومعها دول في انحاء شتى من العالم من بناء مجتمع مدني مبني على القيم الديمقراطية والعدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان الأساسية، ووضعت الأسس اللازمة لمجتمع ديمقراطي ومفتوح تستند فيه الحكومة إلى إرادة الشعب، يحمي فيه القانون جميع المواطنين بلا تمييزعلى قدم المساواة، ويسعى الى تحسين نوعية حياة المواطنين من النواحي الاقتصادية والصحية والتعليمية. ما نراه اليوم شامخا جميلا متألقا لم يأت فجأة، وانما عبر قرون، سلسلة من الافكار التي جوبهت بمعارضة وسخرية واستهزاء، تبناها ودافع عنها مفكرون وفلاسفة ودعاة الحرية وحقوق الانسان، وجرها الى التنفيذ وأخذ فرص التطبيق على ارض الواقع سياسيون يتمتعون بسعة الافق، وادراك عال للصورة المستقبلية لمجتمعاتهم.
ثمة انطباع عام يهيمن على البعض من حواراتنا حول اهمية وفاعلية وجدوى المجتمع المدني، ملخصه ان اصل فكرة المجتمع المدني جاء من اوروبا والغرب، وهي بعيدة -أي الفكرة- عن مجتمعنا العربي الاسلامي، وغريبة عنه، وربما يعمد بعض المتشددين الى رمي المجتمع المدني بنعوت غريبة كالدعوة الى الكفر والانحلال، وعندما تستخدم نظرية المؤامرة يقال ان الدعوة للمجتمع المدني ستار لما هو اخطر واعظم.
في جوهر وعمق الاديان تجد مشتركات تتعلق بالمساواة والعدالة واحترام حقوق الانسان والحريات بشكل عام، ولا وجود لاي تنافر سواء في الفكر او التطبيق بين الاديان والمجتمع المدني، وانما هي مشاكل تتعلق بالثقافة السياسية الغالبة البالية التي تدافع من طرف خفي عن علاقات بالية تتعلق بعشق نموذج الحكم الشمولي او نصف الشمولي، والذي يتميز بعدائه الشديد للمجتمع المدني. وفي الدول والمجتمعات التي نجت من الحكم الشمولي رأت الفرق واضحا جليا، بين طغيان مكونات الانظمة الشمولية، والحسنات الاولى للانتقال الى المجتمع المدني.
ان الدفاع عن النموذج الشمولي، غالبا ما يتخذ ضروبا متنوعة، لا تأتي دائما للدفاع عنه مباشرة، وانما بالهجوم على البدائل المتوقعة، ولن تحسم هذه البدائل واهمها المجتمع المدني والديمقراطية المعركة لصالحها ما لم تتحول الى مطلب شعبي تناضل قطاعات عريضة من المجتمع من اجله، تساندها اجزاء مهمة من الطبقة السياسية الواعية.