أصبح واضحاً أن تجربة السلام مع إسرائيل أدت إلى استمرار نمو المشروع الصهيوني وانحسار آمال العالم العربي في السلام، لأن العالم العربي انقسم بين انظمة وشعوب، فاستكانت الانظمة إلى مفاهيم ساعدت إسرائيل على النفاذ إلى العالم العربي، فأصيب على المستوى الرسمي بالشلل التام، بينما تصاعدت حيوية الشعوب العربية غضباً ونقمة على تطبيقات المشروع الصهيوني وأعمال الإبادة التي يمارسها في غزة، كما سبق أن مارسها في لبنان وفي فلسطين ومصر وسورية طوال الستين عاماً الماضية. ومجزرة غزة يجب أن تكون مناسبة للارتفاع فوق الحسابات السياسية العقيمة والتنظيرات المتهافتة لكي نراجع معاً فاتورة المكاسب والخسائر في الجانب العربي، حتى تستعيد الأمة العربية كرامتها وتساهم بدورها في صناعة العالم الجديد، الذي يطل علينا وقد غابت عنه هذه الأمة بعد أن طاردتها إسرائيل ولم ترحم ضعفها وعجزها حتى عن المواجهة اللفظية الجادة، لدرجة أن إسرائيل اتهمت بعض دول المنطقة بأنها متواطئة معها، مثلما اتهمت أميركا هذا البعض من قبل بالمساهمة في احتلال العراق وتمزيقه، وهو أمر كشفت عنه الوثائق الإسرائيلية والأميركية.
آن الآوان إذن بعد حصيلة العلاقات العربية الإسرائيلية أن يقف الحكام والشعوب في خندق واحد وأن يعيدوا النظر في التجربة المريرة لهذه العلاقات وأن يعودوا مرة أخرى إلى جذور الصراع الوجودي وليس الحدودي مع المشروع الصهيوني.
وتبدأ المراجعة بأن تحدد إسرائيل ماذا تريد في النهاية ما دامت تتمدد كل يوم وتبيد أكبر عدد من الفلسطينيين. ويفترض أن يتم التحرك العربي الفوري على جبهتين. الجبهة الأولى هي أن تدعو الدول العربية والدول الأخرى المناصرة لهذا الاتجاه إلى عقد مؤتمر دولي في أوروبا لبحث ماذا قدمت إسرائيل للمنطقة وسلامها، أو دمارها وخرابها وتدمير استقرارها ونموها وإرهاب انظمتها. والجبهة الثانية هي أن تطلب المجموعة العربية في الأمم المتحدة عقد دورة طارئة للجمعية العامة تكون على جدول أعمالها خمسة مواضيع، الموضوع الاول: مراجعة مدى تنفيذ إسرائيل للتعهدات التي قطعتها على نفسها أمام اللجنة السياسية الأولى عامي 48-1949 وصدور قرار قبولها من الجمعية العامة كعضو في الأمم المتحدة، وبين هذه التعهدات: احترام قرار التقسيم رقم 181، وقرار عودة اللاجئين 194، واحترام حقوق العرب داخل إسرائيل كأقلية لها كل الحقوق وأولها حق المواطنة.
أما الموضوع الثاني، فهو بحث مدى توافر شروط العضوية في إسرائيل في ضوء ممارساتها. أما الموضوع الثالث، فهو طلب رأي استشاري من المحكمة الدولية مستفيدة من رأيها بشأن الجدار العازل في تموز (يوليو) 2004 وذلك لبحث مدى انسحاب الطابع العنصري والممارسات الإجرامية والتطهير العرقي في فلسطين مع استمرار اسرائيل عضواً في الأمم المتحدة. أما الموضوع الرابع، فهو أن تطلب الجمعية العامة رأياً استشارياً في مدى انسحاب قرار التقسيم مع حق تقرير المصير للفلسطينيين، الموضوع الخامس، أن تبحث الجمعية العامة في موقف إسرائيل من قرارات الأمم المتحدة عموماً لتحديد مدى إمعان إسرائيل في امتهان هذه القرارات وفق المادة السادسة من ميثاق الأمم المتحدة.
من ناحية أخرى فإن جرائم الإسرائيليين لا يمكن تركها بلا عقاب. وإذا كانت واحدة من هذه الجرائم (الهولوكوست) قد ارتكبت بحق اليهود وكانت سبباً في محاكمات نورمبرغ التي امرت بإعدام عدد من كبار قادة النظام النازي في المانيا، فإن العرب بحاجة إلى «نورمبرغ» أخرى لمعاقبة المجرمين الإسرائيليين الذين تفوقوا مئات المرات على جلاديهم وقد آن الآوان لمحاكمتهم على جرائمهم في فلسطين ولبنان ومصر وغيرها ممن ذاقوا مرارة هذه الجرائم.
* كاتب مصري