اعتبر الأطباء العائدون من غزة أن هدف الهولوكوست "خلق جيل من المعاقين"
إسلام أون لاين.نت
القاهرة- أعلن المشرفون على متحف هولوكوست فلسطين الذي دشنته شبكة "إسلام أون لاين.نت" على الإنترنت أنهم يدرسون تحويل المتحف من مجرد موقع إلكتروني إلى متحف حقيقي تحتضنه عاصمة عربية أو إحدى مدارس الأونروا التي دمرتها الحرب الإسرائيلية على غزة.
جاء ذلك الإعلان خلال المؤتمر الصحفي الذي عقده أطباء عائدون من مهمة مداواة بعض جراح أهل غزة، في مقر اتحاد الأطباء العرب بالتنسيق مع متحف هولوكوست فلسطين الأمس الأحد 25-1-2009 للإدلاء بشهاداتهم عن جرائم الحرب، التي اقترفها الاحتلال الإسرائيلي على مدار 22 يوما، وخلفت إصابات "لم يشهد تاريخ الإنسانية من قبل لها مثيلا"، وفق وصف أحد الأطباء.
وأعلنت الباحثة داليا يوسف، المشرفة على متحف هولوكوست فلسطين بشبكة "إسلام أون لاين.نت" أن القائمين على الموقع يفكرون في أن يتحول إلى متحف حقيقي، يتم إنشاؤه في إحدى العواصم العربية، أو محل إحدى مدارس وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) التي دمرتها الطائرات الإسرائيلية على رأس من فيها من الأطفال والنساء.
وحتى تحقيق هذا الهدف فإن موقع هولوكوست فلسطين يواصل أداء دوره بالتعاون مع اتحاد الأطباء العرب؛ لتوثيق شهاداتهم بالصوت والصورة على صفحاته، ويضيف هذه الشهادات إلى بقية الجرائم المنشورة على الموقع كأدلة موثقة يهتدي بها الساعون إلى رفع قضايا على المسئولين والجنود الإسرائيليين أمام المحاكم الدولية؛ بتهمة ارتكاب جرائم حرب.
وتم إطلاق الموقع في عام 2008 بالتزامن مع تشديد الحصار على غزة، ويهدف إلى تسجيل وتوثيق كافة الجرائم الإسرائيلية في فلسطين منذ عام 1948 وأسماء منفذيها؛ لتكون متاحة أمام العالم كله، ليتابع بشكل موثق جرائم الاحتلال.
كما يحتوي المتحف على بيانات الشهداء الفلسطينيين الذين قتلتهم آلة الحرب الإسرائيلية، بجانب صورهم، ومعلومات عن الأسلحة المستخدمة، ووثائق تسجل بالأرقام والإحصاءات والصور آثار المجزرة.
وأشارت الدكتور هبة رءوف، المدرس بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية في جامعة القاهرة، والتي أدارت اللقاء إلى أهمية هذا التوثيق قائلة إنه "لا توجد أمة من غير ذاكرة، وإلا فمآلها الموت والفناء".
وأضافت "لا نريد فقط التباكي على هؤلاء الضحايا ومآسيهم إنما لابد من العمل، ابتداء بالشهادة، وليس انتهاء بملاحقة المجرمين".
محرقة فاقت روايات الرعب
من جهتهم أكد الأطباء المشاركون في المؤتمر أن المشاهد "المرعبة"، والدمار "المروع" الذي رصدته أعينهم، وسجلته أقلامهم في غزة يشي بأن الإسرائيليين "هدفوا إلى قتل أكبر عدد ممكن من الشباب والأطفال والنساء، وترك آخرين معوقين ليضمنوا أن الجيل الغزاوي القادم عاجز عن المقاومة لقلة العدد واعتلال الصحة".
وفي هذا الاتجاه قال الطبيب المصري محمد الشريعي: "مشاهد الدمار والموت التي رأيتها لم أسمع عن مثيل لها في تاريخ البشر، بل إنها لم تخطر ببال أشهر مؤلفي روايات الرعب".
وكان الشريعي قد حزم حقائبه وانضم لفريق من الأطباء المصريين المتوجهين إلى قطاع غزة بعد يومين فقط من اندلاع العدوان في 27-12-2008، والذي خلف أكثر من 1412 شهيدا أكثر من نصفهم من الأطفال والنساء والشيوخ، إضافة إلى 5450 جريحا، كثير منهم حالتهم حرجة، أو انتهت ببتر واحد أو أكثر من أطرافهم.
وحين وصل الشريعي إلى مدينة خان يونس بجنوب القطاع ظن أنه يتابع مشاهد فيلم عن الحرب العالمية الأولى أو الثانية على حسب قوله، مضيفا أنه عندما بدأ عمله في مركز ناصر الطبي وقف هو وزملاؤه عدة مرات عاجزين عن مداواة جراح بعض المصابين "لشدة خطورتها وغرابتها وكبر حجمها".
وعرض الطبيب المصري للجمهور صورا لعدد من الجرحى الذين فقدوا النصف الأسفل من أجسادهم، أو احترقت بعض أطرافهم، وصورا أخرى لأجساد تتدلى منها قطع اللحم، كاشفة عن تدمير كامل للأعضاء من الداخل.
وفي أحيان أخرى -يواصل الشريعي- كنت أتعاون أنا ومجموعة من الاختصاصيين في محاولة لإنقاذ جريح واحد، وأحيانا لا نعرف من أي جزء في جسده نبدأ لتشوهه وسريان الإصابات في كل أنحائه.
ومن غرائب الإصابات التي رصدتها عيون الأطباء يقول الدكتور راشد إمام الأستاذ المساعد في جراحة العظام بطب جامعة الأزهر: "في بعض الحالات عندما كنا نطفئ الأنوار كانت الجروح تبدو مضيئة، وهو ما لم يكن من الممكن حدوثه إلا باستخدام مواد وأسلحة محرمة في قصف غزة".
وأظهر إمام صورة أذهلت الجميع، وهي صورة لجسد بلا ملامح لطفلة نهشت لحمها القنابل، وعلق عليها قائلا: "كنا نتمنى لها الشهادة"، وبنفس الألم يعلق على طفلة حرقت مع عائلتها بقنبلة حرارية صهرت جمجمتها الصغيرة؛ فخرج دماغها من رأسها: "لم أر مثل هذا المشهد في حياتي".
أما الطبيب النرويجي الدكتور مادس جيلبيرت، الذي عمل في مستشفى الشفاء خلال العدوان، فقد اتهم إسرائيل باستخدام متفجرات وقنابل "دايم" التي تشطر أجساد الضحايا، وتقطعها إربا بمجرد ملامستها لها.
من جهته كشف د. إبراهيم الزعفراني أمين عام لجنة الإغاثة والطوارئ باتحاد الأطباء العرب عن إنشاء لجنة من الأطباء المتخصصين في قطاع غزة للتأكد من طبيعة الأسلحة التي استخدمت ضد المدنيين، لافتا إلى أن منظمة الصحة العالمية اتخذت خطوة مماثلة؛ حيث كلفت عددًا من الأطباء من خارج القطاع بالذهاب إلى هناك، والبحث في إمكانية استخدام إسرائيل لأسلحة محرمة دوليا ضد المدنيين، كما طالبت الأجهزة الطبية في القطاع بالاحتفاظ ببعض الأمور التي تفيد في التحقيق.
واعترفت إسرائيل السبت الماضي تحت ضغوط الانتقادات والشهادات الدولية بأنها استخدمت الفسفور الأبيض الذي يصهر الأجساد لحما وعظما خلال محرقة غزة.
"المفرمة"
"في حرب عالمية ثالثة" هكذا يروي د.إبراهيم الجعيدي -أستاذ جراحة العظام في كلية طب جامعة القاهرة- تفاصيل رحلة مرور الوفد الطبي إلى قطاع غزة.
وقال: "تحت مظلة من القصف العنيف عبرنا إلى القطاع برغم التنسيق الذي رتب لنا عبر الصليب الأحمر.. مرت علينا لحظات عصيبة ونحن نمر بين الدبابات الإسرائيلية التي كانت تقطع شارع صلاح الدين، الذي يربط شمال القطاع بجنوبه، نتصور أنفسنا وقد لقينا مصير الهلاك الذي لقيه كثير من الطواقم الطبية خلال الحرب".
وقال: "كنا فقط نرى الحروب على التلفاز، ولكن حينما عشتها في غزة ظننت أننا في حرب عالمية ثالثة".
وأظهر الجعيدي بدوره للحضور صورة الفتاة الفلسطينية "شهد" التي نهشت الكلاب الضالة جثمانها بعد أن منعت قوات الاحتلال سيارات الإسعاف من الوصول إليها، وأخرى للطفلة "فلسطين" التي أصابتها الرصاصة مباشرة في القلب.
كما رسم د.إبراهيم مشهدا أبكى القلوب حين أشار إلى الطفلة التي بترت ساقها بعد أن أصيبت في القصف الإسرائيلي لمدارس الأونروا، قائلا: "لقد بكيت لحالها حتى سالت دموعي على جرحها النازف"، متسائلا: "ما هذه المفرمة التي أعدتها إسرائيل لتدافع بها عن نفسها كما تزعم؟!".
جيل "معاق"
وفي محاولة لتفسير ما جرى قال الطبيب العراقي عماد فهد الذي أتي من غزة إلى القاهرة ليشارك في توثيق الجرائم الإسرائيلية: "إن ما رأيناه يؤكد أنه كان تنفيذا لخطة إسرائيلية تقضي بأن يكون الجيل الفلسطيني القادم جيلا من المعاقين والمبتورين والمرضى النفسيين العاجزين عن حمل السلاح والمقاومة"، وهو الرأي الذي شاركه فيه أطباء آخرون خلال المؤتمر.
وأشار إلى اعتقاده بأن "ما حدث في غزة نسخة مما حدث في العراق عندما استخدم الأمريكان أسلحة جديدة لأول مرة ليختبروها هناك، وهذه الجرائم ضد الإنسانية لن تُنسى".
وقال أحمد ندا، اختصاصي طب العظام: "الإسرائيليون يكرهون الحياة، يكرهون الجمال والنماء؛ ولذلك اقتلعوا الأشجار وجرفوا الأراضي الزراعية ودمروا كافة المنازل".
وبحسب تقديرات مكتب الإحصاء الفلسطيني فإن 17 ألف منزل تم تدميرهم جزئيا، وأن 4100 منزل آخر تم تسويتها بالأرض بشكل كامل في إعصار القصف البري والبحري والجوي الذي ابتلع غزة لمدة 22 يوما.
وبخلاف المنازل فقد تم تدمير 1500 محل تجاري ومصنع وورشة عمل و25 مسجدا و31 مبنى حكوميا، فضلاً عن مستودعات المياه والصرف الصحي، وقدر المكتب الفلسطيني قيمة ما تم تدميره حتى الآن بنحو 1.9 مليار دولار.