أجرى اللقاء: بشير خزعل
على مدى تلاثة عقود تقريباً جرى اهمال الجانب السكني في العراق اضافة الى عوامل اخرى اهمها الوضع الاقتصادي غير المستقر في البلاد واهمال الدولة اقامة المشاريع التنموية للحفاظ على التركيبة السكانية في المحافظات وعدم الهجرة منها الى المدن بحثاً عن العمل، اذ تم حصر ذلك في مراكز المحافظات وبغداد ما ولد ضغطاً سكانياً فيها، وبالتالي القى ذلك على مراكز المحافظات وبغداد عبئاً ثقيلاً يسهم في تشويه منظر المدينة ويؤثر في مجمل داينميتها من خلال انتشار المساكن العشوائية والتجاوزات على الاملاك العامة والخاصة واحتلال المباني الحكومية من قبل العوائل التي لا تجد مسكناً يؤويها وشكلت مستوطنات لا قانونية تنتشر بشكل كبير جداً في معظم الدولة العراقية، ناهيك عن الواقع البيئي والصحي الذي تعيشه تلك المستوطنات بسبب انعدام الخدمات الضرورية.
((الصباح)) حاورت المهندس علي عبد الامير الشماع رئيس لجنة الاعمار في مجلس محافظة بغداد للوقوف على ابعاد هذه الازمة وما اتخذته محافظة بغداد لحلها حيث تحدث قائلاً:
- مشاريع... ولكن؟!
منذ تأسيس مجلس محافظة بغداد كتجربة اولى في مجال الوضع السياسي الجديد وضعنا في اولوياتنا معالجة ازمة السكن، وبدأنا من السنة الاولى في العام 2006 بفكرة وجود 3000 دونم قرب منطقة الغزالية لتبنى عليها مدينة حديثة تضم اضافة الى العمارات السكنية جميع المرافق الخدمية (الصرف الصحي، الماء، الكهرباء، الحدائق، المدارس، مراكز الشرطة، والعيادات الطبية) وتم الاعلان عن هذا المشروع وتوجه الكثير من الشركات لانشاء هذه المدينة لكن ما حصل ان مجلس الوزراء دخل على الخط وتبنى المشروع بصورة مفاجئة من دون اعلامنا، اذ كان في النية توزيعها على ذوي الشهداء وبشكل افقي من دون بناء عمودي، واجريت عدة مداولات وطرحت عدة مقترحات منها ان توزع 500 دونم اسكان افقي و(2500) دونم اسكان عمودي، وتم تشكيل لجنة من مجلس الوزراء اجتمعت بضعة اجتماعات ثم توقفت ولا نعرف السبب حتى الان، وفي الفترة الاخيرة جاءنا اعمام من رئاسة الوزراء بتشكيل لجنة برئاسة محافظة بغداد وعضوية اشخاص من وزارة الاسكان وممثل من مجلس محافظة بغداد. لكنها جاءت متأخرة واصبح هذا المشروع خارج سيطرة مجلس المحافظة، المفروض ان اي مشروع يقام في بغداد ولاسيما المشاريع السكنية يجب ان يكون لمجلس المحافظة رأيه فيها لان اجهزتنا التنفيذية يجب ان تضطلع بدورها كل حسب مسؤوليته، المحافظة مسؤولة عن ادارة المشروع، وامانة بغداد تدخل في انجاز الخدمات الاساسية، المجاري، الماء، تاسيس المحطات الثانوية وتاسيس شبكات المحلات الفرعية، ماحدث هو تخبط اربك العملية بالكامل.
ايضاً كان هناك مشروع اسكاني المفروض ان تقوم امانة بغداد بتنفيذه في المنطقة الصناعية في الكاظمية، انشاء مجمعات سكنية لتجنب الضغط الحاصل على المناطق الشعبية في الكاظمية ولتوسيع الحضرة الكاظمية من خلال شراء الاملاك من المواطنين ونقلهم الى العمارات السكنية المفترض بناؤها في المنطقة الصناعية. ايضاً حصل تلكؤ في المشروع برغم المتابعة من رئيس مجلس المحافظة ورئيس لجنة الاعمار، وعذر الامانة ان اسعار الاراضي والاملاك قد ارتفعت واغلب المواطنين التجؤوا الى المحاكم ووضعوا ارقاماً كبيرة لسعر المتر المربع من الارض اذ تجاوز الاربعة ملايين ونصف المليون دينار عراقي، ما يستنزف مبالغ كبيرة من تخصيصاتهم المالية.
وهناك مشروع آخر 300 دونم في منطقة التاجي لبناء عمارات سكنية، وهذه المنطقة خالية وتمتلكها وزارة المالية، تم التفاوض معهم، لكن المشروع ما زال يحبو من دون خطوات فعلية لها الاثر الواضح في الارض، لدينا مشكلة حقيقية تعيق تنفيذ المشاريع السكنية تتمثل في عدم وجود اراض تمتلكها امانة بغداد ووجود اراض خالية في الاطراف لكنها تفتقر الى الخدمات وتحتاج الى تصاميم.
- لا خطط..بل تمنيات
خلال عمر الدولة العراقية الطويل لم تكن لدينا تصاميم اولية او اساسية لاستخدام الاراضي والخدمات في بغداد واطرافها، الان اتجهت المحافظة الى مكاتب استشارية لغرض وضع تصاميم للمجاري وبقية الخدمات الاخرى، فمن الصعب ان تنشأ مجمعات سكنية عمودية من دون ان تكون هناك شبكات مجار، ثم ان مدينة بغداد محدودة المساحة جغرافياً ومتوسعة سكنياً، نحتاج دائماً الى رصيد من الاراضي او فكرة ستراتيجية تسمى بالمدن الصغيرة الطاردة، التي تجذب التجمعات السكنية من الداخل وتخفف العبء والازدحام الموجود داخل المدينة، من خلال انشاء مدن على الاطراف تتوفر فيها جميع الخدمات الضرورية وبكفاءة عالية، الماء والكهرباء والصرف الصحي والرعاية الصحية(المستشفيات والعيادات) والمدارس ومراكز الشرطة ومراكز الدفاع المدني والخدمات التجارية ومراكز الرعاية الاجتماعية ومراكز توفير الوقود المركزي وحتى نوعية الشوارع والحدائق والمتنزهات والخدمات المصرفية هذه جميعها تشكل الخدمة التي يحتاجها المواطن في المدينة.
- انجازاتنا..عدة مؤتمرات
ماهي ابرز مهام لجنة الاعمار في الوقت الحاضر؟
-لجنة الاعمار هي وسيلة لتنفيذ مايقره مجلس المحافظة من مشاريع وفي السابق كانت اللجنة تقوم بدراسة وتحليل مشاريع امانة بغداد ومجلس المحافظة حالياً ولتخفيف العبء عن اللجنة يجري العمل على المشاريع الخاصة بالمحافظة، اي بناء المجمعات السكنية للدوائر ذات العلاقة كالصحة والكهرباء والتعليم والتربية ودوائر التسجيل العقاري والادارة المحلية بالاضافة الى الخدمات الاخرى، ولدينا تنسيق مشترك مع امانة بغداد، كذلك اللجنة اقامت مؤتمراً دعت فيه الجامعات من اجل دخول المكاتب الاستشارية الهندسية في مجال اعمار وتطوير بغداد وانجاز المشاريع السكنية وهو المحور المهم في المؤتمر، وطلبنا ابداء الملاحظات واعطاء المشورة العلمية والفنية، لجنة الاعمار لاتتوفر فيها جميع الكفاءات والقابليات وعلى الرغم من الخبرة المتراكمة لدى بعض اعضاء اللجنة في هذا المجال طلبنا استخدام الكفاءات العلمية المتخصصة في مجال الاسكان للمساعدة في حل هذه الازمة، ونحن بحاجة الى برامج لتنمية الموارد البشرية وتفعيل المكاتب الاستشارية واستخدام الشركات الاجنبية التي لديها خبرة في قطاع البناء.
- طاقاتنا محدودة
واضاف الشماع:
مجرد ان تتوفر لدينا الارض نحن مستعدون لاي مشروع سكني، لكن ستكون طاقاتنا محدودة، لذلك لابد من تنفيذ هذه المشاريع بواسطة الشركات الاستثمارية الضخمة، فالحكومة الاتحادية تخطط لجميع المحافظات العراقية، لابد من تضافر الجهود بين مجلس المحافظة ووزارة الاسكان والاعمار وبين الحكومة الاتحادية وهيئة الاستثمار التي تأخر تشكيلها كثيرا، وهناك من يلقي اللوم على المحافظة والمحافظة تقصّر وزارة المالية لانها لم تخصص الاموال والكوادر والقضايا الادارية، ولجنة الاستثمار الوطني المتلكئة حتى الان، الوضع الامني في العام 2007 نستطيع ان نقول استقر نوعا ما ويحتاج الى تقوية من اجل دفع المستثمرين للبدء في تنفيذ هذه المشاريع، هناك شركات ستبدأ العمل بتنفيذ مشروع العمارات السكنية في معسكرالرشيد اذ ستبني (14) عمارة سكنية ومدينة رياضية ومستشفى عاماً سعة (1000) سرير. وسيكون هذا المشروع خاصاً بذوي المهن الطبية في المراكز المهمة، اذ تم تخصيص(4) عمارات سكنية الى مستشفى مدينة الطب (سعة العمارة من خمسة- ستة طوابق) واثنين الى مستشفى ابن الهيثم وواحدة الى مستشفى الطفل المركزي وواحدة الى مستشفى المحمودية واثنين الى ابو غريب وعمارة واحدة الى مستشفى ابن القف.
بقيت الشرائح الاخرى من المجتمع من غير الموظفين، فئات معدمة ومغيبة اجتماعيا تعيش في مناطق لاتتوفر فيها ابسط مستلزمات الحياة اليومية واغلبها تجاوزات ومخالفات قانونية اخذة بالتوسع، هل اخذتم بالحسبان الية معينة لاسكان هؤلاء؟
- الصحيح هو ان ننصف المواطن وننصف الدولة، كثير من الناس ممن يسكنون في هذه المناطق هم متجاوزون، واذا اردنا انصافهم فهؤلاء كثير منهم جاؤوا هربا من المحافظات الاخرى ايام الانتفاضة الشعبانية، بالاضافة الى التهجير بسبب العمليات الارهابية الاخيرة، واستقروا في تلك المناطق وقسم كبير منهم لايريد ان يعود والقسم الاخر يفضل الرجوع واصبحت لديهم اسباب اجتماعية وعائلية مختلفة، لذلك قمنا ببناء مجمع سكني بسيط في منطقة (الجكوك) ومجمع اخر في منطقة (الثعالبة) عبارة عن كرفانات، لكن لم يسكنوا فيهما ولم يكن بحل، الان جاء مشروع مجلس الوزراء ببناء مساكن قليلة الكلفة لتوزع على مثل هذه الحالات خارج مدينة بغداد وبمساحة 300م2 للبيت يمكن تطويره ببناء اضافي، لكن هل سيوافق المواطن على السكن فيها، البعض اقبلوا عليها، والمحافظات وضعت مخططات لهذه البيوت بشرط ان لا يحصل تجاوز على الاراضي الزراعية فقد تم استهلاك الكثير منها وهذه ايضاً مشكلة اخرى، اننا نخالف القانون والتصميم الاساسي للمدينة تحت تأثير الحالة العاطفية في لتخفيف من معاناة المواطن الحل الحقيقي لهذه المشكلة وليس الترقيعي هو بناء المدن الطاردة (العمارات السكنية)على اطراف بغداد وهذا النموذج نجح في جمهورية مصر وفي مدينة القاهرة بالذات.
واكد رئيس لجنة الاعمار: لابد من اختيار مواقع خارج مدينة بغداد وانجاز تصاميم حقيقية بخدمات كاملة لنستطيع جعل المواطن يشعر بالكرامة والسكن في تلك المناطق، التفكير بالبناء فقط لايحل المشكلة يجـب ان نفكر كيـف نبقـي الناس فـي مناطقهم اذ ليس من السهولة تغييـر النمـط الاجتماعـي والتحـول مـن ثقافـة اجتماعيـة وليدة المحلات الشعبية والاحياء السكنية الى نظام سكن عمودي قد تنجم عنه مشاكل اجتماعية كثيرة، اذ لم تكن هناك خدمات نوعية راقية، انا اعتقد ان ازمة السكن هـي ازمـة غير مستعصية في الحل، سوء الادارة ليس في زمـن النظام السابق فقـط، ولكـن بصورة عامـة هـو السبب في تدني هذا القطاع المهم والمؤثر في جميع مفاصل الحياة اليومية للمواطن عندما نعطي ارضا بمساحة 600م2 او 800م2 لعائلة واخـرى تبحث عـن 100م2 وتـوزع آلاف قطـع الاراضي ولايستفاد منهـا احد لعـدم القدرة على كلفة البناء او عدم توفر الخدمات في تلك الساحات، سنضيف عبئاً اخر على كاهل المشكلة المستشرية اصلاً بسبب الانشطار المستمر للعوائل العراقية. لدينا الموارد والامكانيات المادية والبشرية والطبيعية للبدء في ثورة كبيرة في مجال الاسكان