اعداد ـ الصباح
اصبح فساد ادارة التنمية عنوانا واضحا لسوء الاداء السياسي والاقتصادي لعملية التنمية، وبشكل اشمل محاولة بناء نموذج واضح المعالم للتطور الاقتصادي، فالفساد الاداري يعني في جملة ما يعنيه اضافة فرصة حقيقية للاستغلال المعقول للموارد بشقيها الطبيعي والبشري، ذلك انه اذا ما فسد اي من طرفي هذه العلاقة فستواجه عملية التنمية خطر القتل او الاضطراب او الاختلال، ومن ثم اضاعة فرصة حقيقية للتطور..
وفي العراق فان دلالة تجارب عقود التنمية منذ سبعينيات القرن الماضي حتى الآن مع كل شعاراتها البراقة نتائجها كانت تشير وبوضوح الى سوء في الرؤية والادارة، ولم يتوقف الامر عند هذه الحدود بل تعدى ذلك الى فساد صارخ ظهرت وجوهه باشكال وصور مختلفة واستشراء الرشاوى، والى توكيل مهام هذه الادارة الى عناصر لم تكن مؤهلة او كفوءة، وغلب عليها الولاء السياسي..
ويبدو ان الرؤية الواقعية للاصلاح الاقتصادي والاداري تشكل امرا جوهريا للاحاطة بالفساد الاداري ومحاولة محاصرته بالقدر الذي يشكل مجموعة من الاجراءات للحد من استشرائه ومن ثم تطويقه. ان هذه المهمة لا يمكن ان ينظر اليها بشكل مجتزأ، بل يجب ان تكون ضمن اطار اصلاح شامل يطال اجهزة ومؤسسات الدولة، على العموم فشمولية هذا الاصلاح تقتضي تناول جمع من المرتكزات الادارية من حيث البنية والهيكل وصولا الى العنصر البشري العامل فيها، ومن ثم اساليب العمل السائدة فيها، بل وحتى وسائل العمل من ادوات وتجهيزات ومعدات..
ان اصلاح البنية والهيكل الاداري بكل ما تحتويه من مهام وصلاحيات يجب ان تبنى على الحاجة الملحة ضمن الامكانات والقدرات المتاحة من دون افراط او تفريط وتجنب الازدواجية، ويجب ان يولى العنصر البشري عناية فائقة من حيث حسن الاختيار القائم على المؤهلات وتكافؤ الفرص والتنافس، فضلا عن الاعداد المسبق لهذا العنصر لتوليه مهام وظيفته، والتدريب المتواصل لاغنائه بالمعارف المستجدة مع ضرورة توازن حقوق المكلف بالخدمة العامة مع واجباته، ويرتبط ذلك كله بتقويم ادائه الفردي والجماعي بالوقت نفسه تجنبا لان يكون الموظف ضحية عوامل لا يد له فيها، وليس بامكانه تصحيحها.
ان ذلك يقتضي ان يتوج بتبسيط لعمل المكلف بالخدمة العامة والقائم على اساس اللامركزية وتطوير الصلاحية، لكي تضمن انجازا عاليا، وبأقل كلفة ووقت ممكنين، وان يدعم ذلك بوسائل عمل تختصر الآليات والتجهيزات واللوازم، ويبقى الأهم من كل هذه العملية هو تطبيق دقيق ومنظم للتشريعات الادارية.
تعزيز كفاءة الأداء تطويق للفساد
ان أولى مهام الرؤية الواقعية تتصل بتوصيف مهام عمل المكلف بالوظيفة الادارية، التي تتضمن المقترحات الآتية لتعزيز كفاءة الاداء وتطويق البنية المفضية للفساد الاداري، وهي:
1- ضرورة تحديد مدة محددة لانجاز المعاملات المرتبطة بالمستندات اللازمة لكل منها، ان هذا الامر يقتضي وضع الدراسات اللازمة لغرض تبسيط وسائل العمل وتحديد مدد انجاز المعاملات بما في ذلك الدراسات الميدانية لاسيما مجالات المعاملات المدنية والدوائر العقارية..الخ.
وبوصف هذا الامر عاملاً مهماً في مكافحة الفساد ذلك انه يتضمن أمرين يعول عليهما المواطن أهمية كبيرة:
الامر الأول: انجاز المعاملة بأقل نفقة ممكنة..
الامر الثاني: انجاز معاملته بأسرع واقرب مكان ممكن وبالتالي بأسرع وقت ممكن.
2- وضع نظام لتقييم اداء موظفي الخدمة العامة، ومتابعة كفاءتهم في ضوء التدريب والتأهيل أثناء الخدمة.
3- تصنيف الوظيفة العامة: ويقتضي هذا الأمر تقسيم الوظائف العامة وفقاً لطبيعة مهامها الى فئات ورتب تتطلب من شاغليها مؤهلات ومعارف محددة، ومن ثم ضرورة تعريف الوظيفة العامة وتقويمها، ومن ثم تحديد سلم رواتب مستقل لكل فئة من الفئات الواردة في التصنيف، يسبقها اجراء دراسات مقارنة للوظائف المتشابهة في القطاعين العام والخاص.
4- ضرورة التأكيد على تسلسل المسؤولية للمدراء أو الرؤساء وممارسة رقابة ومتابعة فعالة بهدف تقويم الاعمال والممارسات الخاطئة والسلوك المنحرف.
5ـ انشاء وتفعيل مكاتب شؤون وشكاوى المواطنين، فهذا الامر يعد شكلا من اشكال المراقبة غير المباشرة يفيد منها المسؤولون الاداريون في الاقسام لنقل نبض المواطن الى حدود مسؤولية الدائرة المعنية.
6ـ انشاء دوائر خاصة بالتفتيش المركزي لتعزيز وتفعيل الدور الرقابي للاحاطة بعناصر وبيئة الفساد الاداري ومن ثم رفدها بالعناصر المؤهلة والكفوءة، لممارسة دورها الرقابي.
7ـ اعتماد برامج اعلامية لتوعية المواطن لمواجهة الفساد الاداري، ليسهم في اجهاض عناصر الفساد، فضلا عن دور الرقابة الشعبية في هذا المجال.
8ـ انشاء او استحداث ديوان الخدمة العامة وتفعيل قانوني الخدمة العامة وانضباط الموظفين، فهذا الديوان يشكل ضرورة في الاشراف والمتابعة ومن ثم يمارس ضمن مهام عمله دورا رقابيا ومرجعيا لاعادة تقويم بيئة وهيكلية الوظيفة العامة.