علي دنيف حسن-الصباح
لا يختزل المعقبون الجهد والوقت الذي يستغرقه انجاز المعاملات الرسمية في دوائر الدولة المختلفة فقط، وانما يختزلون نوعا مميزا من المشاعر الانسانية التي يخجل الكثيرون منها عند بروزها للسطح ، فالموظف الذي يعتقد في قرارة نفسه إن على المواطن الدفع مقابل انجاز معاملته لايمكنه التصريح بذلك علنا في أي حال من الأحوال، وكذلك المواطن الذي يرى إن اجراءات معاملته تسير في نفق مسدود لا يمكنه الاعلان صراحة عن استعداده لدفع المال من أجل إنجازها على خير وجه. يجمع المعقب الطرفين، ورحم الله من جمع رأسين بالحلال، فيخلصهما من مأزق التصريح بالأهداف والغايات، يجمعهما على بساط البحث والنقاش كما يقال ، وعلى بساط الحرية أيضا . يستطيع الموظف عندها تقدير المبلغ المطلوب وسقف الأنجاز كأي مقاول، في الوقت الذي يستطيع فيه صاحب المعاملة المساومة على هذه النقطة أو تلك . كل ذلك يتم بالخفاء وبسرية تامة ، بعيدا عن الأنظار ، وبعيدا عن الدائرة نفسها . تتحول الكثير من منازل الموظفين والمعقبين الى دوائر رسمية يتم فيها تداول الملفات وتبادل الآراء وتحديد الخطوات والأسعار .تتحول المنازل، والمقاهي أحيانا، الى بورصات صغيرة تدار من قبل بائع ومشتر ووسيط يسعى كل واحد منهم إلى تحقيق غاياته وأهدافه وفقا لمتطلبات السوق وضغوطها، لاسيما إن بعض الدوائر تعيش أوضاعا متقلبة نتيجة القرارات والتعليمات الجديدة والمتجددة ، فكل قرار جديد يدفع المئات من الناس الى محرقة المعقبين، فيما يقوم الموظفون بتأجيج النار عن طريق تلكئهم في إنجاز معاملات المواطنين وجه المفارقة في هذا الأمر يبدو واضحا عندما تسأل أحد المعقبين عن سبب ارتفاع ثمن انجاز معاملة ما ، فسيتمسكن الرجل، وسيشاركك حزنك وألمك قائلا وهو يقسم بايمان مغلظة :
- المبلغ المطلوب سيوزع نصفه على عدة موظفين فيما سيذهب النصف الثاني للمدير!.وعندما تمر في صباح اليوم التالي بجانب غرفة المدير، فستجد الكثير من الاعلانات التي تؤكد إن زمان الرشوة والوساطات قد ولى إلى غير رجعة، وإن زمان المواطن والمواطنة الحقيقية قد أشرق على ربوع العراق. وإن عليك إبلاغ المدير نفسه عن أية حالة فساد أو رشوة في الدائرة. عندها فقط تتذكر ماقاله المعقب فتهرول حاملا اضبارة معاملتك باتجاه منزله لتجده غاصا بالمحبطين أمثالك، فتغرق في زحام جديد، يجبرك على دفع المزيد كان بودنا ختاما، الدعوة لتأسيس جمعية للمعقبين يتم تحديد مسؤولياتها وصلاحياتها وآليات تقديم خدماتها للجمهور قانونا وعلنا، ولكننا خشينا من أن تعاني الجمعية نفسها من ظهور طائفة من المعقبين الجدد، فنغرق عندها في فرضيات استحالة الدور والتسلسل في الوجود و العلل، وهذا ما سيؤلب علينا الفلاسفة