زيارة إلى مدرسة تأهيل الصبيان في بغداد
بغداد ـ سعد صاحب- الصباح
لاانسى ابداً كلام رئيس الوفد الجزائري حينما زارنا ونحن في اقفاص الاسر الموحشة في ثمانينيات القرن الماضي، وادركت بان السجين سجين وان وضعته في قفص من الذهب
تذكرت هذا الكلام، وتذكرت الكثير من الاشياء حينما دخلت مدرسة تاهيل الصبيان في بغداد في مهمة صحفية للاطلاع والكتابة واعدادها في ملفنا الخاص بـ (سجون الاحداث).
- قتل غير متعمد
الطفل قاسم محمد البالغ من العمر (14) سنة، حين دخل مدرسة تاهيل الصبيان كان في عمر (12) سنة قضى في السجن سنتين بعد ان حكمه القاضي بالسجن لمدة (4) سنوات، سألته عن سبب دخوله الى هذا المكان؟ اجابني: قتلت صاحبي بسكين ولـم اكن اقصد قتله، كنا نتمازح بالالات الجارحة وفلتت من يدي السكين ودخلت فـي بطنه ومـات بعد ان رقد فـي المستشفى يومين، وانـا نـادم جـداً عـلى هذا الفعل الذي لم اكن اقصده مطلقاً.
- الأيام الأولى
يشرح قاسم ايامه في السجن: كانت اياما تعيسة جداً وصعبة علي خصوصاً وانا مازلت طفلاً، الايام الاولى كنت ابكي كثيراً واشتاق الى امي، لكن حسن المعاملة وكثرة الاطفال والصبيان من حولي خفف عني المصيبة.
- الارهاب
الشاب موفق طاهر البالغ من العمر حالياً (19) سنة دخل المكان بجناية الارهاب، حيث حكمه القاضي بالسجن لمدة (15) سنة، هذا الشاب مبتور الساق يمشي على عكازة، يساعده في شؤونه الخاصة صديقة الاخر الذي هو جاره في منطقة (تلعفر)، حيث سالته عن حياته كان محبطاً ومتشائماً ومتذمراً ويقول لفقت لي تهمة الارهاب وانا لم افعل هذه الجريمة التي تهمت بها وهي قتل الناس، لاادري كيف ساقضي هذه الفترة الطويلة، لذا تراني دائم التفكير واتمنى ان يخفف علي الحكم وانقل الى سجن الموصل القريب من بيتنا، لانني من عائلة فقيرة، ولاتستطيع عائلتي المجيء والذهاب بسهولة لاسيما ان والدي سائق تكسي واذا تعطل عن العمل سيسبب له احراجاً امام العائلة.
- اللغة العربية
يقول افادني التنقل في هذه الامكنة بتعلم اللغة العربية، وان كانت غير جيدة، فانا لااجيد غير اللغة التركمانية فقط، قبل ان يغادرني اوصيته بالصبر وان الله لاينسى عباده مهما تكن جناياتهم.
- قتل والده بالبندقية
الفتى محمد حسين ترك الدراسة وهو في الرابع الابتدائي، جنحته قتل غير متعمد لوالده، يروي لنا قصته حينما اشتدت التناحرا ت الطائفية في بغداد: ذهبنا الى (بدره وجصان) وسكنا في بيت كبير، كان في البيت بستان، وكنا انا ووالدي نضرب الطلقات النارية اونزيت البنادق معاً، وفي احدى المرات كان والدي خلف الباب وكانت في يدي البندقية وفي حركة غير مقصودة خرجت بعض الاطلاقات واستقرت طلقتان في بطنه واردته قتيلا بعد ان نقلناه الى المستشفى .
- أحب والدي
سألته هل كنت متعمداً بقتل ابيك؟ قال كلا واعترض على سؤالي بشدة، والدي كان يحبني واحبه ولم افكر ابداً بايذائه في يوم ما، ولكن ظروف الانفلات الامني كانت هي السبب في موت والدي.
- أوضاع جيدة
لكوني عشت تجربة السجن خارج حدود الوطن سابقا اميل الى السجناء بشكل خاص، فتشت الغرف واحدة واحدة، غرفة الحلاقة والطبابة وقاعة الاكل وقاعة النوم والحمامات وحتى البطانيات كانت من النوع الجيد، اما الغذاء فيتعذر على بعض العراقيين الحصول عليه، الكهرباء لاتنطفىء ابداً بعد ان تاكدت من النزلاء انفسهم، وكمية الاكل والصمون كافية وتحتوي على الفيتامينات ويستطيع النزيل ان يدخر مايحتاج من الاكل في ليل الشتاء الطويل، مدير السجن كما قالوا هم يعاملنا معاملة حسنة ويسمح لنا بمشاهدة التلفزيون اكثرمن الوقت المقرر اذا كان هناك فلم جميل او لعبة كرة قدم.
- معالجات طبية
المعاون الطبي نوري زامل زوير الذي حدثنا عن طبيعة عمله: الحدث الذي يدخل الى هذا المكان نفتح له اضبارة خاصة به، بالاضافة الى طبيب اخصائي يزور السجن يومياً، ومن يحتاج الى ارسال نرسله الى المستشفى القريب واذا يحتاج عملية ينام بصحبة المراقبين.
- مواصلة الدراسة
الباحث الاجتماعي جبار حسب يطالب الدولة بالسماح للسجناء بمواصلة دراستهم، لان الكثير منهم في المتوسطة والثانوية ومن المؤسف ان تضيع هذه السنين هباء، ولكن بشرط ان تكون هناك كفالة مادية كبيرة اذا هرب الحدث ولم يقبض عليه.
- حالات الطلاق
يوعز اسباب اغلب هذه الجنح للتفكك الاسري وغياب القانون وحالات الطلاق التي تؤدي الى تشرد الابناء وتشتتهم في السجون او على ارصفة الطرقات.
- ورش عمل للفتيان
الباحث الاجتماعي اسعد طه يطالب بفتح ورش عمل لقتل وقت الفراغ، وحين يكون السجين انساناً منتجاً ويجني ارباحاً مالية لايفكر في المشاكل وينتمي الى المكان الذي هو فيه، وعلى مستوى بسيط فتحنا دورات لمحو الامية ودورة في الكهرباء والحلاقة، ومن الضروري تفعيل الاجازات، السنوية التي هي (21) يوما في السنة يقضيها مع اهله ويعود.
- رعايـة ابويـة
سالم شكر جسام مسؤول الخفراء يشرف على التعداد والنقاط والواجبات ونظافة القاعة وتشميس البطانيات ومعاقبة المتشاجرين التي هي حرمانهم من المواجهة، لكننا كما يقول نستثني العقوبة في اغلب الاحيان ونسمح لهم بمواجهة عوائلهم.
- العدائية والعنف
الباحث الاجتماعي والكاتب شاكر سعيد مدير مشروع البيت الآمن لايواء الاطفال فاقدي الرعاية الاسرية عن اسباب هذه الجنح يقول:
للطفل ميزتان رئيستان تطغيان على حياته وخاصة في مراحل عمره الاولى هي التمركز حول الذات، وحب التملك وكلتا الميزتان المتلازمتان، قد تؤديان بشكل مباشر او غير مباشر الى العدائية والعنف، وتتسع هاتان الميزتان الى الاستحواذ على الدمى واللعب واشياء اخرى فاذا وجد لعبة او سكينا او مطرقة رغب فوراً بامتلاكها وربما يضعها في مكان يعود اليه متى يشاء ويستخدمها في الضرب الذي يسبب القتل.
- الحسد والغيرة
في بعض العوائل الفقيرة يتولد الحسد والغيرة الشديدة عند الطفل عندما يرى ابناء جيرانه يمتلكون العاباً لاتوجد عنده، فيبادر الى المشاجرة مع الاطفال خاصة عندما لايرغبون به كلاعب فيكسر حاجاتهم او يسرقها وعند عدم تمكن الاسرة من توفير حاجيات الطفل فانه يترك المنزل ويقضي فراغه في بيوت الجيران والشارع، وفي حينها سيكون لقمة سائغة للارهاب والجريمة.
الجنوح البريء
حب التملك يؤدي بالطفل في بعض الاحيان الى الجنوح البريء متمظهراً في السرقة للنقود او الدمى والملابس اذ يعتبر ان مايسرقه يكمل نقصاً في طفولته، فهو بحاجة دائماً الى محرك لحياته واهم المحركات هو اللعب والاقتناء اي التملك، وبهذا السبب الكثير من الاطفال دخلوا السجن جراء سرقتهم راديو او جهاز موبايل او حذاء.
- مشاهد المسدسات
لايزال اثر المشاهد العنيفة في التلفزيون على السلوك العدائي للطفل مثيراً للجدل على الرغم من توافر دراسات كثيرة تؤيد هذا الراي، اذ توصل بعض الدارسين الى ان نسبة العنف على شاشات التلفزيون الاميركية هي (80 %) من مجمل البرامج، وبسبب استخدام المسدسات في الدراما الاميركية فان (59 %) من جرائم الاطفال والشباب استخدم فيها المسدس كاداة جرمية.
- الاجرام في التلفزيون
مشاهدة التلفزيون تعتمد بدرجة كبيرة على نوعية الطفل من جهة ودرجة تربيته من جهة ثانية، فعند مشاهدة الطفل لمشاهد اجرامية فانها تطبع في ذهنه ونفسه، وتخلق لديه امكانية سحق الطفل الاخر والرد عليه بقسوة.
- الزيجات المتعددة
ومن مشاكل العنف الاخرى التي تقود الى الجرائم: تحدث هذه المشاكل في الاسر التي تشهد زواجات متعددة، كالرجل الذي يتزوج اكثر من امرأة او يتزوج بعد طلاق او وفاة زوجته من امرأة انجبت اطفالاً من زوجها السابق، يعتقد الزوج ان اولاد الزوجة الثانية يحملون اسم ابيهم ولايمتون له بصلة لذا فهم غرباء ولاينبغي الانفاق عليهم او معاملتهم بشكل يتوازى مع ابنائه، ولهذا السبب حدثت جرائم قتل من هذا النوع.
- أطفال الشوارع
العنف عند اطفال الشوارع سمة مميزة لثقافتهم وانهم يمارسونه يومياً بسبب الانفلات من الضبط الاسري والاجتماعي، وتمارس شتى الوان الاعتداءات عليهم اهمها الضرب المبرح والشتائم والالقاب والالفاظ البذيئة والاغتصاب ، وصولاً الى استعمال الالات الجارحة، ويكثر تعاطي المواد المخدرة بين اطفال الشوارع كاحدى القيم المعبرة عن الحرية والتعارض، لايتحمل اطفال الشوارع مايحدث لهم بل يتحمل المسؤولية ويجب ان يعاقب من قبل القانون الاب او الام حيث انهم ينجبون ويرمون الى الشارع بلا خوف من ضمير ولاعقاب.
- المعالجة والحلول
اساليب المعالجة والحلول: متابعة الوالدين لاطفالهما بصورة مستمرة كي لاتؤدي حالات العنف بهم الى عواقب وخيمة كالجنحة والجريمة، تنمية ثقافة الاعتذار بين الاطفال في حالة الشجار، استخدام اساليب العقاب البسيطة كتاخير الطعام او منعه من المصروف اليومي، مكافأت الاطفال على السلوك الحسن، تنظيم اوقات التلفزيون والابتعاد عن مشاهدة افلام العنف
، زرع روح المحبة والاخاء والالفة داخل الاسرة ، اتخاذ التدابير اللازمة لاجراء توعية اعلامية مكثفة حول اساليب تربية الطفل والوقاية من الجريمة، وضع مناهج تربوية مفيدة.
- فكرة
راودتني فكرة مفادها تكوين فرق مسرحية وغنائية من هؤلاء الصغار والفتيان، بدلاً من قتل الوقت بالنوم والمشاجرة ، سيقضون اوقاتهم بالتمارين والاجواء السعيدة.
- امنية
غادرنا المكان وفي قلوبنا حسرة كبيرة، كانت هناك ساحة بقربهم يلعبون بها صغاراً باعمارهم، تمنيت لو انهم كانوا معهم يلعبون.