This site uses cookies for analytics and personalized content. By continuing to browse this site, you agree to this use.
We have updated our Privacy Notice, click here for more information Acknowledged

لقدرتها على صناعة المستقبل: متى تأخذ الجــامعات دورها في التفاعل المجتمعي ؟
18/03/2009

 


بغداد - خالد القطان
للجامعات دور كبير ومهم في التأثير والتفاعل مع محيطاتها الخارجية الاجتماعية، وبما ان الجامعة مؤسسة تعليمية وثقافية واجتماعية، لذا فمن الضروري جدا ان تنفتح الجامعة على المجتمع والا تنغلق داخل اسوارها وتنشغل فقط في الدروس العلمية الاكاديمية

لقد عانت الجامعات العراقية ولاربعة عقود من الانغلاق وعدم التواصل مع الجامعات العالمية بسبب انكفاء النظام الديكتاتوري السابق وعدم انفتاحه على العالم الخارجي، اما في هذه المرحلة من تاريخ العراق الجديد وبعد الخلاص من قيود النظام الديكتاتوري فيمكن للجامعات العراقية ان تستثمر اجواء الديموقراطية والحرية وان تبادر الى الاتصال بجامعات الدول الاخرى واحداث التوأمة معها من اجل الاطلاع على آخر المستجدات الاكاديمية والافادة منها في تفعيل دورها في الاتصال بالمجتمع والانفتاح عليه . وللوقوف على دور الجامعات العراقية في التفاعل مع محيطها الخارجي، اجرت " الصباح" تحقيقا بهذا الشأن.
 قطيعة معرفية
يقول عميد الكلية التربوية المفتوحة ومديرعام الاشراف التربوي في وزارة التربية، الدكتور كريم الوائلي : يبدو ان الجامعات العراقية مستغرقة في التعليم ومنشغلة الى حد كبير عن محيطها المجتمعي، وان خروجها من الحرم الجامعي لتأدية ادوار فاعلة في احداث تغيير استثماري وصناعي وحراك ثقافي وسياسي واجتماعي امر نادر الحدوث، ويظهر على استحياء شديد . واضاف الوائلي : يفترض بالجامعة ان يكون دورها فاعلا ليس على مستوى التنظير وانما على مستوى المعالجة الفعلية للواقع العراقي بجميع سياقاته، وقد نجد عذرا لهذا الضمور لاسباب كثيرة، قد يكون بعضها عدم وجود العدد الكافي القادر على احداث التغيير بسبب القطيعة المعرفية التي عاشها العراق لعقود طويلة، او بسبب هجرة بعض العقول او عدم تدفق العقول التي تم تكوينها ابان حقبة النظام المباد، وقد يكون الجانب الامني معيقا. واوضح الدكتور الوائلي: لعلي لا ابالغ اذا قلت ان هنالك فجوة كبيرة بين الجامعات العراقية من ناحية والحكومة من ناحية اخرى، وكأن كل منهما يعمل بمعزل عن الاخر لدرجة قد تتعارض نتائج افعالهما، ان تفعيل دور الجامعات بمحيطها لا يخضع لمجرد رغبات او قرارات عشوائية وانفعالية، وانما يقتضي الاستفادة من تجارب الجامعات العالمية في كيفية تفعيل ادوارها في محيطاتها، وكذلك دراسة الواقع العراقي بجميع مستوياته وسياقاته واعداد بحوث ودراسات تسهم في التخطيط لاحداث هذا الفعل . وتساءل الوائلي: كيف تؤدي الجامعات العراقية دورها وهي التي تعنى بالمنهجيات دون دراسات منهجية واكاديمية للخروج من شرنقاتها داخل اسوارها الى التعامل مع محيطاتها الخارجية.

اعتماد التقنيات المتطورة
للمكتبات بشكل عام، لاسيما المكتبات الجامعية دور كبير في الثقافة التي نريد لها ان تكون راسخة بين الشرائح المجتمعية، اذ قالت الدكتورة خيال الجواهري، استاذة جامعية سابقة، اختصاص مكتبات : للجامعات دور كبير في نهضة المجتمع العراقي، لاسيما في هذه المرحلة من تاريخ العراق، فنحن بحاجة الى مؤسسات ثقافية تعليمية تنهض بالمواطن العراقي وفي المقدمة الطالب الجامعي وفي جميع مجالات التعليم وليس فقط التعليم الاكاديمي وانما في المجالات التربوية والسياسية والاقتصادية، لان المجتمع العراقي مر بفترات مظلمة ليس فيها الا الولاء والدعاية لنظام واحد شمولي، وهذا ما كانت عليه الجامعات العراقية قبل التغيير . واضافت الجواهري : هنالك متطلبات كثيرة بحاجة اليها الجامعة ومنها الكادر التعليمي وان يكون هذا الكادر متخصصاً وذا ثقافة تقنية في المجال المتخصص به وان يتمتع بالروح الوطنية العالية اضافة الى الدعم المادي وهو مهم لتطوير الجامعات لتمكينها من الارتقاء بواقعها، وكذلك التنسيق والتعاون فيما بين الجامعات ليس بين الجامعات العراقية فقط ، وانما بين الجامعات العراقية وجامعات الدول الاخرى وكما يجري في ايفاد الطلبة الى الخارج للدراسة في الجامعات العالمية للتزود بالخبرة والافادة من التقنيات العلمية المتطورة، فضلا عن اعتماد الاساليب الحديثة والتقنيات المتطورة في اساليب التدريس مثلا استخدام الحاسوب والاجهزة السمعية والبصرية مثل الافلام والسلايدات والفوتوشوب وبالاعتماد على الاحصائيات والطرق البحثية والاعتماد على البحث العلمي للطلبة الى جانب الدراسة النظرية وضرورة اعتماد الدراسة الميدانية بصورة اوسع من الدراسة النظرية وفي المجالات كافة .

 تواصل مع المجتمع
واوضح الدكتور حمدان خضر السالم، استاذ كلية الاعلام / جامعة بغداد : يمكن تحديد تفاعل الجامعة مع المجتمع من خلال التعاون الذي تبديه الملاكات الجامعية مع منظمات المجتمع المدني المستقلة والفاعلة، عبر الورش والدورات التدريبية التي يشترك فيها العديد من المشاركين بمختلف التخصصات العلمية والثقافية والاعلامية والانسانية . واضاف السالم : لقد كان للملاكات الجامعية الدور الواضح في ايصال الخبرات والمهارات الى المجتمع من خلال هذا التواصل، ولعل ما يمكن الاشارة اليه قيام الملاكات الجامعية بالمساهمة الفعلية في تقديم الاستشارة الى بعض المؤسسات والدوائر التابعة للدولة الحكومية منها وغير المرتبطة بالحكومة، فضلا عن القاء المحاضرات على المشاركين في الدورات الاساسية والتطويرية، وتقديم الدراسات والبحوث في المؤتمرات والحلقات النقاشية التي تنظمها بعض الدوائر والوزارات والهيئات . واكد الدكتور السالم، على ان للجامعة دورها واسهامها المعروف في تخريج اعداد غفيرة من الطلبة في الدراسات الاولية والعليا، وهم بذلك يشكلون واحدا من مخرجات الجامعة الى المجتمع . وتابع السالم : اما في الجوانب التطبيقية، فتعدالجامعة الرافد الاساس في معالجة المشكلات الاجتماعية علمية كانت ام انسانية من خلال الاسهام في تناول هذه المشكلات عبر بحوثها ودراساتها والتوصل الى حلول علمية تخدم المجتمع.
 رصد الأحداث
وقال رئيس تحرير الموسوعة الثقافية، الصادرة عن دار الشؤون الثقافية العامة، حنون مجيد : الان بدأ دور الجامعات في تحسس واجبها الوطني والثقافي، وبدأت تترصد الحدث السياسي والمعرفي وتشارك فيه تحليلا ومواجهة ولو تصفحنا صفحات الصحف والمجلات والنشاطات الاخرى التي تدور في اروقة الجامعات لوجدنا ان دور الجامعة بدأ يتبلور في الاسهام المعرفي الذي يصطخب في الواقع العراقي واعتقد ان هذا سوف يسفر عن نتائج مهمة على صعيد الفكر والثقافة العراقيين لقد بدأت الجامعة تعي دورها بفعل الكوادر المثقفة والمنفتحة على الثقافات العالمية وليس اقلها الاجراء الذي تقوم به كلية اللغات في الاحتفاءات بالمثقفين وترجمة اعمالهم الى لغات عديدة توزعها على دوائر معرفية عالمية وهو ما يتيح للمثقف العراقي فرصة كافية ليكون متواجدا في محيطات خارجية تمنحه الحق الذي يستحقه . لقد اغمضت الظروف اعين الكثير من المؤسسات عن المنجز العراقي الكفوء اما الان فالفرصة قادمة معززة بالاجراءات الاكاديمية العراقية.

افتقار إلى
الدراسات التجريبية
اما الدكتورة ريا قحطان احمد، رئيس العلاقات العامة في كلية الاعلام / جامعة بغداد، فقالت : نحن كأكاديميين نطلع باستمرار على احدث البحوث والدراسات، مثلا ما تجريه الجامعات الاميركية وغيرها من الجامعات العالمية من دراسات عن تدخين الشباب والمراهقين وتعرضهم لحوادث السيارات بسبب ادمانهم على شرب الكحوليات والمسكرات، والبحث العلمي الذي يهتم بالجوانب العلمية تعده الجامعة كمعلومات للطلبة وتؤهلهم للمهن التي سيمارسونها في مجتمعهم كل حسب اختصاصه، وهنالك في دول العالم تتعاون الجامعات مع بعضها البعض، مثلا تعاون الجامعات البريطانية مع الجامعات الاميركية . واضافت الدكتورة ريا: ان المؤسسات  والجهات الحكومية هي التي تطلب من الجامعات اعداد بحوث ودراسات بشأن الظواهر الاجتماعية السلبية، مثلا دراسات عن ظاهرة التدخين او عن ارتفاع معدلات العنف وهل سببها الافلام التي تعرض في التلفزيون، كما ان البحث العلمي في الدول الاخرى يتجه الى دراسة الظواهر في المجتمع سواء الظواهر السلبية اوالايجابية، وتوجه طلبتها الى اعداد هذا النوع من البحث . واوضحت الدكتورة ريا : هنالك تطور كبير في الجامعات الاميركيةويعدون بحوثهم في الدراسات التجريبية، اي يراقبون الظواهر التي تظهر في المجتمع مثل تدخين المراهقين او يراقبون سلوك الاطفال ويتعايشون معهم ميدانيا، اما جامعاتنا في العراق فانها تفتقر الى الدراسات التجريبية. 

مناهج تعليمية قاصرة
ويقول سعد السوداني، استاذ في معهد اعداد المعلمات: على الجامعات العراقية ان تمارس دورا كبيرا ومهما في النهوض بالمجتمع وعلى الصعد كافة، اقتصاديا واجتماعيا وصحيا وثقافيا وغيرها من المجالات الحياتية الاجتماعية الاخرى، وذلك من خلال طريقين، الاول، حين تسعى هذا الجامعات الى تطوير مدخلاتها ونقصد بهم الطلبة، ولمدة تطول ربما اكثر من اربع سنوات، والثاني، مخرجاتها، وهم الطلبة الذين يتم ضخهم الى مؤسسات الدولة المختلفة وبجميع الاختصاصات المهنية، ولكن هنالك ضعفا وتقصيرا في هذين الامرين، لان الطالب اصلا وخلال مدة الدراسة لا يتطور ولا يطور نفسه.
واضاف السوداني: ان المناهج التعليمية في الجامعات العراقية قاصرة والتدريسيين ليسوا بالمستوى المطلوب، وحين يتخرج الطالب ويلج الحياة العملية يكون في كثير من الاحيان عالة على مؤسسات الدولة التي تعاني هي الاخرى من تخلف واضح في كل شيء. واشار السوداني الى ان الجامعة لم تنفتح على مؤسسات المجتمع سواء بالتنسيق المشترك او  عن طريق الابحاث المشتركة او بتوجيه الدراسات العليا لدراسة الواقع الاقتصادي والاجتماعي والصحي والتربوي، مثلما لم تهتم مؤسسات الدولة من نتائج بعض الدراسات التي تقدمها الجامعات على قلتها، والتي اختصت بمشكلات هذه المؤسسات . وطالب السوداني وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، بدراسة دور الجامعة في المجتمع والتفاعل معه عبر اكثر من مؤتمر علمي والوقوف على جميع التفاصيل التي لها علاقة بهذا الموضوع، وكذلك على الوزارات ومؤسسات الدولة الاخرى السعي الى الافادة من امكانات التعليم العالي لخدمة مشروعاتها المختلفة والتي تهم تطوير المجتمع العراقي والارتقاء به.

 معوقات ضد
 دور الجامعة
اما حسين الجاف، مدير الدراسات الكردية والقوميات الاخرى في ديوان وزارة التربية، فيقول: الجامعة هي المولدة للكفاءات والابداعات ومعدة الاجيال ومخرجتها وهي بالتأكيد ستخوض مضامير بناء الحياة، وعليه فللجامعة الدور الاكبر في بناء الحياة الجديدة التي نحلم جميعا بأن يتمتع بها وبمباهجها وخيراتها المواطن العراقي الذي خرج من ركام الدخان والنار والدم، بيد اننا نلاحظ حاليا ان هنالك تهميشا لدور الجامعة ولمؤسساتها ورموزها ولما تنتجه من ثقافة متميزة والدليل انه صدر قبل مدة قرار باحالة عدد من رموز الجامعات العراقية الى التقاعد وبجرة قلم، بدعاوى بلوغهم السن القانونية التقاعدية، وهذه عقول عراقية كبيرة تم الاستغناء عنها في الوقت الذي اصبح البلد والجامعات فيه بحاجة الى خبراتهم في ادارة العملية العلمية والتدريسية، والادهى من هذا ان الجهات المعنية عدت احالة هؤلاء الاساتذة الى التقاعد تكريما لهم، وطالبت المديرية العامة للتقاعد بالاسراع في انجازمعاملاتهم التقاعدية، وهؤلاء هم بناة العراق الجديد ورموز ثقافته وعلمه، وفي الدول المتطورة يستثنى بعض الموظفين من شرط العمر في الاحالة على التقاعد وهم (اساتذة الجامعات والقضاة والفنانون والصحفيون والمحامون وعلماء الدين). وبسبب قرار احالة عدد من اساتذة الجامعات على التقاعد اصبحت الدراسات العليا في جامعة بغداد شبه متوقفة لان هؤلاء كانوا يشرفون ولسنين طويلة على اطاريح الماجستير والدكتوراه التي يقدمها طلبة الدراسات العليا للحصول على شهادة عليا، ومنهم الدكتور عز الدين اسماعيل العاني والدكتور عناد الكبيسي وسامي عبد الحميد، وغيرهم، وهذا خطأ كبير لانه سوف يعطل العمل في الدراسات العليا ويؤثر على دور الجامعة في التفاعل مع المجتمع، وهذه من ضمن المعوقات والمعرقلات لاداء رسالة الجامعة الاجتماعية.