This site uses cookies for analytics and personalized content. By continuing to browse this site, you agree to this use.
We have updated our Privacy Notice, click here for more information Acknowledged

معاقة تـنـير حياة آلاف الأيتام والفقراء وتقدم درسا لكل الأصحاء وفاقدي الأمل
04/07/2007

   تخيل جسدك رهينا لقفص من الجبس القاسي لسنة ونصف.. مستلقيا على سريرك ونظرك مثبت على نقطة محددة في السقف لاترى غيرها، وبعد ذلك تخيل أنك فاقد للحركة في أطراف جسدك الأربعة لأكثر من 16 سنة، تحتاج من يساعدك لتشرب جرعة ماء، أو تأكل بعض لقيمات لتعيش أياما أخر تتشابه مع سابقاتها في الضجر والألم.

ولك أن تتصور أن سبب معاناتك تلك هو خطأ طبي جعلك تفقد عملك بعد أن فقدت مباهج الحياة، ولا تستطيع أن تبارح منزلك إلا لضرورة الذهاب إلى المشفى للعلاج من أوجاع ألمت بك من أمراض كثيرة عششت في بدنك جراء رقودك في السرير سنوات طويلة.. ألا يكفي كل ذلك لتقضي بقية سحابة حياتك ناقما على كل شيء؟!.

ما سلف آنفا، غيض من فيض في معاناة سلوى مرسي، التي أبت أن تستسلم لآلامها، واستطاعت من خلال غرفتها الصغيرة في شقة أسرتها بإحدى ضواحي مدينة الجيزة المصرية أن تساعد آلاف الأيتام والأسر الفقيرة، وقدمت معونات كبيرة لمئات المرضى ممن عجزوا عن تأمين نفقات العلاج والدواء.

فمن شقتها، يخرج يوم الاثنين من كل أسبوع وفد نسائي إلى قسم الأطفال بالمعهد القومي للأورام في القاهرة محملاً بالهدايا إلى الأطفال المرضى، وإلى ذات البناء يتوافد أعدادا متتالية من أصحاب الإعاقات المختلفة للحصول على الأجهزة التعويضية المتنوعة من كراسي متحركة وأطراف صناعية ونظارات وسماعات طبية وغيرها من المسلتزمات.

حقائب "خير" للفقراء

كما يتردد على ذات الشقة في كل شهر عدد من الفقراء للحصول على إعانات نقدية دورية، وفي رمضان تخرج منها حقائب غذائية تحتوي كل منها على كميات من المواد التموينية الأساسية لتوزع على المحتاجين، وفي هذا الصدد تقول سلوى لـ"العربية. نت" أنها أرادت ان تساعد الفقراء لاسيما النسوة اللواتي يمنعنهن حيائهن من الذهاب إلى موائد الرحمن، وللاسر المتحاجة المتعففة عن السؤال.

وفي عيدي الأضحى والفطر، تقدم" العمة سلوى" كما يلقبها الكثير من الأطفال كميات من ملابس الصغار والنساء وقطع الأقمشة للرجال للتوزيع على الفقراء.

ومع بداية كل عام دراسي يخرج من البناء الذي تقطنه سلوى كميات كبيرة من الزي المدرسي الموحد للتلاميذ والتلميذات إلى جانب صرف قيمة المصروفات الدراسية لتلاميذ المدارس ولطلاب الجامعة من الفقراء وأصحاب الدخل المحدود.

لا أشعر بالتحدي

بدأت رحلة سلوى مع المرض، منذ أكثر من 16 عاما، بعد أن أصيبت بشلل رباعي جعلها لا تستطيع النوم بمفردها، وتحتاج إلى من يعينها للجلوس أو النوم، ولا تتحرك يداها إلا بشكل رأسي فقط، لدرجة أنها لا تستطيع أن تجلب كوب الماء الموضوع على المنضدة الصغيرة المجاورة لسريرها، بل لا بد من وجود شخص يضع الكوب في يدها ثم يتناوله منها بعد أن تنتهي من الشرب، ونفس الأمر عند تناولها للطعام.
كانت مرسي مصابة منذ الصغر بشلل أطفال، ولكنها كما تذكر لـ"العربية.نت" لم تكن بحاجة إلى أجهزة معينة تساعدها الحركة،" كنت احتاج في بعض الأحيان إلى مساعدة شخص (أستند عليه) عندما اشعر بالتعب أو أني سأقع.. الحمد لله نشأت في أسرة متدينة ومتماسكة، وكنت متفوقة في دراستي حيث حصلت على إجازة جامعية (بكالوريس) في التجارة من جامعة القاهرة".

وتتابع سلوى قصتها: "بعد التخرج عملت محاسبة في إحدى شركات النسيج الحكومية، وكنت بشهادة رؤوسائي وزملائي متفوقة في عملي ومخلصة له، ولكن مع مرور الأيام بدأت أعراض مرضي الذي يرافقني منذ الطفولة في الازدياد، وسمع أهلي بوجود طبيب أنهى تخصصه في أمريكا، ومشهود له بالكفاءة كما قيل لنا، وبعد إجراء الفحوص تطلب الأمر إجراء جراحة إلا أن طبيب التخدير أخطأ خطأ جسيما ترتب عليه إصابتي بشلل رباعي".

وتطلب الأمر من سلوى التي تعود لسانها على جملة" الحمد لله والشكر" بين ثنايا كلامها أن تمكث في قفص من الجبس امتد ما بين ركبتيها وحتى الرقبة، وخلال هذه الفترة لم تكن ترى من الدنيا سوى مساحة مضيئة في سقف الحجرة التي ترقد فيها، وتولت أسرتها عنها تقطيع الغذاء إلى قطع صغيرة ووضعه في فمها كي تواصل الحياة، وكانت أقصى أمانيها خلال تلك الفترة أن تنام على جنبها ولو مرة واحدة كما تقول.
واستمرت سلوى داخل ذلك القفص الإجباري لمدة 19 شهرا متواصلة، "خلال تلك الفترة أحسست أني أقترب أكثر من الله سبحانه وتعالى، وقبل ذلك كنت عندما كنت طبيعية كنت اشعر ان اليوم قصير، ولكن في تلك الفترة شعرت بمدى طول الأربع والعشرين ساعة.. لجأت إلى الصلاة والدعاء وترديد الأذكار فاطمئن قلبي بالإيمان".

مرآة القلب!!

واثناء مشاهدتها لأحد برامج التفزيون عن طريق مرآة كانت توضع بوضعية مناسبة فوق رأسها لتعكس لها صورة الشاشة، رأت مناشدة لصبي معاق يحتاج كرسيا متحركا، فأرسلت له قيمة الكرسي من أموالها الخاصة، وكررت نفس العمل مرة أخرى إلا أن ظروفها المالية لم تكن تهيء لها سبل المساعدة دائما، وقبل أن يسافر أحد اقاربها إلى امريكا جاء واعطاها زكاة أمواله، فأرسلت المبلغ إلى المشرفين في التلفزيون الذي أخبروها بوجود خمس حالات مشابهة لمثل الصبي الأول الذي ساعدته،" وبفضل الله وحمده كان المبلغ كافيا تماما لشراء الكراسي المتحركة لاؤلئك الأشخاص"

وبعد فك الجبس، كان التحسن الوحيد الذي طرأ على حالة سلوى أنه بات بامكانها الجلوس بمساعدة الآخرين، وكانت قد عزمت في داخلها على أن تواصل رسالتها في مساعدة المحتاجين والمساكين، مما دعاها إلى مناشدة أقاربها وأصدقائها لتوجيه صدقاتهم وزكاة أموالهم لشراء أجهزة تعويضية للمعاقين.
ولبى دعوتها رهط من أقاربها بغية التخفيف عنها ومواساتها اعتقادا منهم أنه حماس مؤقت لا يلبث أن يزول، إلا أن الأمر أخذ أكثر فأكثر صورة جدية، وبدأت في استقبال أوراق الحالات المحتاجة للكراسي المتحركة والتحري الميداني عنها بواسطة صديقاتها، وتعاقدت مع إحدى شركات الأجهزة التعويضية لشراء احتياجاتها بأسعار الجملة سعيًا لتوفير الأموال لأكبر عدد من المستفيدين،" كوني كنت اعمل محاسبة فهذا الامر ساعدني في المفاضلة بين الأسعار وجودة البضائع والحصول على أفضل العروض".

ومع الوقت زادت أعداد المعاقين الذين تقدم لهم المساعدة واختلفت صور إعاقتهم ما بين حركية إلى سمعية أو بصرية.
وامتد النشاط إلى توفير تكاليف الفحص الطبي لدى الأطباء للمرضى غير القادرين، ثم تحمل ثمن الدواء عنهم، وتم التعاقد مع صيدليتين لصرف العلاج بالمجان، ثم تطور النشاط إلى صرف إعانات شهرية لغير القادرين، وزيارة أسبوعية للأطفال المرضى بالسرطان في المعهد القومي للأورام للتسرية عنهم وتوفير ما يحتاجونه من المأكولات والألعاب والقصص وأدوات الرسم،" عندما كانت تصلهم الأغراض كانوا يصيحون بفرحة كما يصلني "جاءت طنط (العمة) سلوى رغم أني لم اشاهدهم أبدا".

كما تعددت صور النشاط الموسمي ففي شهر رمضان يتم توزيع كميات من حقائب "الأطعمة الجافة "على الفقراء، وقبيل دخول المدارس يتم توزيع الزي المدرسي على أعداد من البنين والبنات ويعقب ذلك سداد المصروفات الدراسية لغير القادرين وشراء الكتب الجامعية لهم، وفي الأعياد يتم توزيع الملابس وخاصة للصغار.

غرفتي جنتي

وتمارس "العمة سلوى" نشاطها الخيري من غرفة صغيرة هي حصتها من شقة أسرتها، والتي تعيش فيها مع أختها الأرملة وابنائها الاثنين بالإضافة إلى خادمتها الوفية تعاونها في تناول الطعام وارتداء ملابسها.
وتقوم سلوى بكافة نشاطاتها الخيرية عن طريق الهاتف، فتتصل بالجهات التي تتعاقد معها لتوفير الأجهزة الطبية والأدوية والملابس، وبواسطته أيضا يتم اعتماد شيكات الصرف من حسابها الذي فتحته للعمل الخيري بأحد البنوك المصرية، وتتلقى فيه التبرعات والزكوات من أقاربها.

وعن اقتصار التبرعات على الأقارب توضح سلوى لـ"العربية. نت" أن مرد ذلك حرصها على عدم الدخول في روتين حكومي قد يعيق سرعة تقديم المستحقات لأصحاب الحاجة ".

وتبدأ سلوى عملها في الصباح، ويمتد حتى ساعة متأخرة في المساء، حيث يتسع المجال لأي عمل خيري فتتلقى مثلا الملابس المستعملة لتعيد توزيعها، أو تساهم في حل المشاكل الشخصية لمن يلجؤون إليها، وقد امتد المجال الجغرافي للمستفيدين من نشاطها إلى جميع المحافظات المصرية، وإن كانت تخصص جانبا كبيرا منه لأهالي قريتها بمحافظة الدقهلية بدلتا مصر في ضرب من ضروب صلة الرحم.

وتحرص سلوى على أن تدقق كثيرا قبل صرف ما بين يديها من أموال الزكاة لتتأكد أنه يخرج إلى مستحقيه "لأن المال مال الله ويجب الحرص عليه"، كما تقوم بتعطير الظروف التي تضع فيها الإعانات بأفضل أنواع العطور "باعتبار الصدقة تقع في يد الله"، كما تحرص أيضا على الجودة في كل ما توزعه من ملابس وأجهزة طبية.
ورغم ظروفها الخاصة فإنها تحرص على السرعة في تلبية احتياجات المحتاجين، إذ تبدأ في التأكد من استحقاقهم للمعونة فور تلقيها لطلبهم، وهي تفضل إيجاد مورد دائم للأسرة المحتاجة من خلال عمل مشروعات بسيطة مثل أفران تصنيع الخبز والأشغال اليدوية، كما ابتكرت "فترينة" متنقلة لبيع الحلوى تقدمها للمحتاجين ليبدؤوا بها عملا نافعا. تقول:" من أحد أهدافي هي أن اساعد الفقراء والمحتاجين على أن يجدوا عملا يطعمون منه أطفالهم، ولذا فإني اؤمن بالحكمة الصينية التي تقول إذا اعطيت انسانا سمكة فإنك اطعمته يوما واحد، وإذا علمته الصيد تجعله يأكل في كل يوم".

وترفض سلوى الظهور في وسائل الإعلام المرئية منها ليبقى عملها لا يرجو إلا وجه الله، وذلك رغم صلاتها بالكثير من رجال الإعلام في الصحف والقنوات التلفزيونية بحكم مشاركتها في توفير الإعانات للمحتاجين الذين تنشر مشاكلهم في الصحف أو تبث عبر التلفزيون. وعندما زارها وفد من جمعية للمعاقين يدعوها للانضمام إليهم رفضت قائلة: أنا لست معاقة.

دعني اتكأ عليك!!

ولقد أثر رقودها أكثر من 11 عاما على السرير إلى إصابتها بأمراض عديدة كالقرحة والضغط وأمراض العظام فتقبلتها راضية قائلة: اعتقد الله أراد أن أجرب هذه الأمراض حتى أحس بآلام المرضى الذين أتعامل معهم، وأحمد الله على ذلك فلولاه ما كان هذا الخير.. والحمد لله الذي اعطاني القوة والصبر على تحمل مرضي، ولكن لا اتحمل دمعة في عين طفلة يتيمة أو نظرة ألم في وجه طفل مريض.. وأرجو من الله أن يمدني بالقوة لأكون عونا لمن يقدرني ربي على مساعدته".

وفي الختام، لا تملك سلوى سوى أن تنصح بخجل وتواضع من خلال "العربية. نت" جميع من يقرأ كلماتها أن لا ييأسوا من الحياة مهما ضاقت بهم السبل،" أمتنا سيبقى فيها الخير إلى أن يرث الله الأرض وما عليها، وأنهار العطاء والإحسان متدفقة بيننا بكثرة ولا تحتاج منا سوى أن نتأمل لحظات قليلة في ما اعطاه الله لنا من نعم وفيرة".
وتردف سلوى:" وانصح من كان لديه طفلا من أصحاب الاحتياجات الخاصة أن لا يشعره بأنه أقل من أترابه، وعليه أن يساعده ليكون عنصرا فعالا في المجتمع.. أذكر أن والدي رحمه الله كان يتعمد أن يطلب مني عندما كنت مصابة بشلل الأطفال أن احضر له شيئا معينا رغم وجود آخرين في المنزل، ورغم أن تنفيذ طلبه قد يكون شاقا نوعا ما بالنسبة لي، لكنه كان يجعلني أشعر بأني لست أقل من اشقائي وشقيقاتي".
تعلمت من والدي ومن عائلتي في تلك المرحلة من حياتي - تتابع سلوى- أن اعتمد على نفسي قدر الإمكان، وان اشعر بجمال الحياة التي منحها الله لنا، وعندما كنت اتعثر بالشارع وأقع كنت انظر إلى اقرب شخص إلي بابتسام وأقول له من فضلك دعني اتكأ عليك".

تتكئ سلوى الآن على "إيمانها بالله ورغبتها في اكتشاف جمال الحياة" رغم كل مصابها لدرجة أنها تتمنى أن يكون اليوم مئة ساعة عوضا عن 24

 

 المصدر: العربية نت

 

 

 

 

 

 

YouTube: iraqicf Shakiry Charity - Instegram Shakiry Charity - Tiktok
Charity Registered in 2006, No: 1115625
العراق
تأسست 2006 رقم التسجيل IZ70166

 

Tel: +44 (0) 7503 185594     للتواصل معنا
Unit 1, Freetrade House, Lowther Road, Stanmore, HA7 1EP, United Kingdom