خالد أبو بكر- اسلام اون لاين
المتابع لمساهمة الشباب في العمل التطوعي العربي سيلاحظ محدودية المشاركة فيه؛ ففي دراسة ميدانية قامت بها "الشبكة العربية للمنظمات الأهلية" تبين أن الشباب العربي من سن 15 إلى 30 عاما هم أقل الفئات اهتماما بالعمل التطوعي.
فما هي العوامل التي أدت إلى محدودية مشاركة الشباب في هذا العمل الذي أضحى شريكا جوهريا في عملية التنمية؟
للبحث عن الأسباب ورغبة في الحل كان لصيف التطوع هذا التحقيق.
إحجام الشباب
في البداية يقول "محمد النجار" البالغ من العمر 26 سنة، ويعمل مدرسا: لم يسبق لي أن شاركت في أي عمل تطوعي، سواء داخل الجامعة أو بعد تخرجي فيها، رغم عدم اعتراضي على المشاركة، لكن كل ما في الأمر أن أحدا لم يعرض علي المشاركة في أي نشاط تطوعي من قبل أي مؤسسة، وبالتالي لم يدخل الأمر في حيز اهتماماتي مطلقا، وإن كنت أتمنى بالفعل المشاركة في أي عمل أستطيع من خلاله القيام بعمل خير، على اعتبار أن ذلك التزام ديني في الأساس، شريطة ألا يتعارض مع أوقات عملي، أو أضعف الإيمان يكون بالتبرع بالمال إذا اعتبرنا التبرع ضمن منظومة العمل التطوعي.
ويشير "عبد الناصر أبو بكر" -24 سنة-: لم أشارك من قبل في أي جمعية أهلية على اعتبار أنني أعيش في قرية ريفية لا توجد بها جمعية أهلية واحدة، وأعمال الخير تتم بها بشكل تلقائي أو حتى ارتجالي؛ فالكل يهب لمساعدة المحتاج باعتبار أنها من ثوابت أخلاق القرية، حتى العمل التطوعي الذي يقوم به مجموعة من الشباب يكون برغبة شخصية منهم، ولا ترعاه أي مؤسسة خيرية لعدم تواجدها كما سبق أن ذكرت، مثل الشباب الجامعي الذي يقيم فصول تقوية لطلاب المدارس أثناء العطلة الصيفية، ولا أستطيع أن أصف المردود المعنوي الذي يعود عليهم نتيجة هذا العمل، وهو ما يلمسونه في حب الناس وتقديرهم لهم.
معسكرات الجامعة
أما مدحت السويفي -25 سنة- فيقول: مارست العمل التطوعي من خلال المعسكرات الصيفية التي كانت تقيمها الجامعة، والتي كنت شديد الحرص على الاشتراك فيها؛ فكنا نخرج في قوافل طلابية نجوب الأحياء العشوائية في المدن الكبرى، ونعقد جلسات مع أهالي هذه الأحياء نرشدهم من خلالها لبعض الأمور المهمة التي ربما خفيت عليهم، مثل أبجديات الصحة العامة، والصحة الإنجابية، وكنا نقيم مع أبناء هذه الأحياء حفلات سمر هادفة تكون فرصة مناسبة لكل منهم لعرض موهبته -إذا كانت موجودة -، سواء أكانت أدبية أو فنية، وينهي حديثه قائلا: كنت أقضي أمتع الأوقات في هذه المعسكرات لإحساسي بأني أؤدي هدفا جليلا تجاه بلدي، ولكن ظروف العمل بعد التخرج لم تتح لي فرص المشاركة في أي من الأعمال التطوعية كما كان الحال في الجامعة.
ويأخذ "علي العطار" أطراف الحديث من صديقه مدحت قائلا: كنت أيضا من الحريصين على المشاركة في معسكرات الشباب التي كانت لها مردودات إيجابية علينا كمجموعة مشاركة قبل الإفادة المباشرة للمجتمع، وأهم هذه المردودات علينا متمثلة في تعويدنا على العمل بروح الفريق الواحد الذي شارك في المعسكر لتحقيق مهمة محددة سلفا، والكل ينكر ذاته من أجل الوصول لهذا الأمر. والجميل في العمل التطوعي أنك تؤديه طواعية بدون إجبار، وهذا يجعلك تشعر بالرضا النسبي عن الذات، وتضاعف مجهودك بدون كلل.
كلنا شركاء
وعن أسباب محدودية مشاركة الشباب في العمل التطوعي تقول الدكتورة "أماني قنديل" المديرة التنفيذية للشبكة العربية للمنظمات الأهلية: "إنه من المهم في البداية الإشارة إلى مجموعة من العوامل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي تفسر لنا هذا الوضع الخاص بالشباب، وأول هذه العوامل هو انخراط الأسرة في حث الأبناء على العملية التعليمية دون توجيه اهتماماتهم إلى المجتمع المحلي وقيمة التطوع ومساعدة الآخرين.
وثاني هذه العوامل يتمثل في العملية التعليمية ذاتها؛ فالأنشطة التعليمية تكاد تخلو من أي دفع وتطوير لقيمة
التطوع ومساعدة المجتمع المحلي".
وتضيف د. أماني أن ثالث العوامل -المسئولة عن ضعف اهتمام الشباب بالعمل التطوعي- الضغوط الاقتصادية الضاغطة، وتوجيه جل الاهتمام إلى البحث عن عمل وعن لقمة العيش.
أما الباحث "أيمن ياسين" -الباحث الاجتماعي- فيعدد مجموعة أخرى من العوامل التي تحد من مشاركة الشباب في العمل التطوعي، ذكر في مقدمتها قلة تشجيع العمل التطوعي داخل مجتمعاتنا؛ الأمر الذي أدى إلى نشوء حالة من عدم الوعي بمفهوم التطوع وفوائد المشاركة فيه على الفرد والمجتمع، وأضاف سببا جوهريا آخر يعود إلى مؤسسات العمل التطوعي، قال فيه: أحيانا ترجع قلة مشاركة الشباب في العمل التطوعي إلى المؤسسات نفسها؛ فبعضها يخاف من عدم التزام الشباب المتطوع بالأعمال التي تسند إليه، وبالتالي فبعضها لا يحاول اجتذابهم إليها، وتقوم بإسناد الكثير من أعمالها إلى مجموعة بعينها تسلط عليها الضوء، وبالتالي يشعر الشباب بعدم فاعليتهم في هذه المنظمات في حالة ذهابهم إليها فينفرون منها، وربما يأخذون موقفا سلبيا من بقية المؤسسات برمتها.
ويضيف ياسين: إن الجمعيات والمؤسسات الأهلية أو التطوعية في بلداننا لا تجيد التعبير عن نفسها وبرامجها بشكل يجعل الشباب يقبل عليها، ولا يتركز اهتمام معظم هذه المؤسسات إلا في أساليب جمع التبرعات فقط، دون الإعلان عن الأهداف والغايات التي تعمل من أجلها.
تشجيع الشباب
وعن آليات تشجيع الشباب على الإسهام في العمل التطوعي.. تقول الدكتورة "أماني قنديل" مجيبة على هذا التساؤل: إن الأمر يحتاج إلى إبداء اهتمام رئيسي بجيل الشباب، ويمكن في هذا الإطار التخطيط لبرامج تنشيطية تطوعية في المدارس والجامعات، والمجتمع المحلي في حاجة ماسة إلى جهود هؤلاء الطلاب الشباب إما من خلال مشروعات للبيئة أو التنمية، مع التوعية بأبسط صور التطوع والعمل الخيري.
وتمضي د. أماني قائلة: كذلك من المهم جديا أن نفكر في افتتاح عدة مراكز لتوجيه المتطوعين، وهي آلية متوافرة في أغلب الدول المتقدمة وفي بعض البلدان العربية (الأردن - فلسطين)، وتعتبر مراكز توجيه المتطوعين وسيطا بين رغبة وإرادة المتطوع في تخصيص وقتٍ أو جهد للتطوع، والمجال المناسب الذي يمكنه التطوع فيه اعتمادا على ظروفه وقدراته ومهاراته، كذلك فإن مراكز التطوع تقدم التدريب المتخصص للمتطوعين، ومن ثم ترفع الضمانات لفعالية العمل التطوعي وأداء الشباب بداخله. وتضيف إلى ما سبق الدور الذي يمكن أن تلعبه النوادي ومراكز الشباب من خلال تدريب وتوجيه الشباب نحو مشروعات حقيقية تعتمد على العمل التطوعي.
وتختم د. أماني حديثها قائلة: إن كثيرا من دول العالم قد اتخذت بالفعل خطوات تنفيذية لتعظيم العمل التطوعي، الذي بات يشكل ركنا أساسيا في القرن الحادي والعشرين، من ذلك قرارات وزراء التعليم لتوجيه اهتمام القائمين بالعملية التعليمية للاهتمام ببث وتطوير قيمة التطوع، وبعض الدول قامت بتوزيع الإعلان العالمي للتطوع على طلاب المدارس والجامعات، بالإضافة إلى تنظيم حملات تطوعية، وبعض الدول الأخرى خصصت الجوائز لأفضل عمل تطوعي بين الشباب؛ فهل آن أن نتحرك لتفعيل مشاركة الشباب في العمل التطوعي مثل هذه البلدان؟!
خطوات إجرائية
أما "السيد حسام الدين عوض" رئيس لجنة الشباب والرياضة بمجلس الشعب المصري فقد قدم في الورقة البحثية التي قدمها للمؤتمر السنوي الثالث للاتحاد العام للجمعيات والمؤسسات الخاصة، العام الماضي، التي كانت تحت عنوان "الشباب ودوره في التطوع".. مجموعة من المقترحات الإجرائية على صعيد تفعيل مشاركة الشباب في العمل التطوعي، وكانت أولى مقترحاته خاصة بوضع تشريعات تحمي وتؤكد مشاركة الشباب في العمل التطوعي؛ مثل تحديد نسبة مشاركة الشباب والشابات في مجلس إدارة الجمعيات الأهلية، وأكد على أهمية منح حوافز مادية وأدبية لمشاركة الشباب من خلال مجموعة من الإجراءات، مثل: تحديد نسبة تخفيض للشباب المشارك في قيمة رسوم عضوية النوادي الرياضية والاجتماعية، مع منح نسب من الدرجات في الشهادات العامة للمتفوقين اجتماعيا شأنهم شأن الرياضيين، مع محاولة التخفيض في تذاكر السفر بالسكة الحديدية والبواخر والطائرات لهؤلاء الشباب الناشطين اجتماعيا، وتوفير المنح لهم حتى يتسنى لهم المشاركة في العمل الاجتماعي الدولي.
دور الإعلام
أما الدكتورة ليلى عبد المجيد أستاذة الإعلام بجامعة القاهرة، فتقول: يقع العبء الأكبر في دفع الشباب وتشجيعهم على العمل التطوعي على عاتق وسائل الإعلام الجماهيرية بكل ما تملكه من إمكانيات للتأثير والإقناع في إحداث نقلة توجيه على صعيد مشاركة الشباب في العمل التطوعي الذي بات مطلبا في غاية الأهمية؛ لعموم فائدته على الشباب في المقام الأول من حيث تعميق حبهم وانتمائهم لوطنهم، ومن حيث إكسابهم المهارات والخبرات التي تساعدهم في مجال عملهم الرسمي، ناهيك عن الفائدة التي ستعود على المجتمع، ولذا نطلب من وسائل الإعلام أن تلقي الضوء على النماذج والخبرات الناجحة في مجال العمل التطوعي.
وتضيف: إن المطلوب من وسائل الإعلام أن تلقي الضوء من خلال المتخصصين على المجالات التي يحتاج المجتمع لمتطوعين فيها، والأماكن التي يمكن للشباب أن يتوجه إليها في حال رغبته في المشاركة في العمل التطوعي، فضلا عن ضرورة فتح وسائل الإعلام لحوار مفتوح حول واقع الممارسة التطوعية في بلداننا؛ حتى نستطيع أن نصل بها إلى الشق المؤسسي المنشود من خلال التواصل بين الخبرات والأجيال في مختلف البلدان؛ حتى لا يشعر كل فرد بأنه يعمل في جزيرة نائية بعيدا عن الآخر، كذلك التأكيد على خلق كوادر تمثل صفا ثانيا في الإدارة من الشباب