This site uses cookies for analytics and personalized content. By continuing to browse this site, you agree to this use.
We have updated our Privacy Notice, click here for more information Acknowledged

تجربة جديرة بالتطبيق.. لإطعام الفقراء والمحتاجين
11/07/2007

 

أمير لاشين - إنسان أون لاين.نت

كان المشهد غريبا وملفتا أمام مسجد الفتح بوسط القاهرة الساعة اقتربت من الخامسة عصرا أي بعد صلاة العصر بدقائق.. آلاف المواطنين يتجمعون أمام بوابة المسجد.. ظننتهم في بداية الأمر مصلين انتهوا من أداء صلاتهم بالمسجد الكبير الذي يتسع لأضعاف تلك العدد.. لكن مرور وقت ليس بالقليل على انتهاء صلاة الجماعة شتت ظني وقضى على فكرتي.. قررت أن أقطع فضولي بالاقتراب منهم وسؤالهم عن سر هذا التجمع الهائل أمام المسجد.. سألت أحدهم فقال.. هذه مائدة رحمن يومية.. بدأت منذ شهور ونحن الآن في انتظار أن يفتحوا لنا البوابة لندخل ونأكل كما نفعل كل يوم.. وقفت في طابور المنتظرين وحاولت أن أتعرف عن قرب على هذه المائدة الغريبة التي تسع كل هذه الإعداد يوميا.

دقائق قليلة وتم فتح البوابة الضخمة.. وسمحوا لنا بالدخول إلى قاعة واسعة أسفل المسجد.. وبمجرد دخول القاعة توالت علي المفاجآت.. فأرضية القاعة وجدرانها مجهزة بأفخر أنواع السيراميك.. المكان كله مكيف.. مئات الموائد وآلاف الكراسى تم رصها بنظام ودقة متناهية.. هناك مكان مخصص للسيدات وآخر للرجال وثالث للمعاقين وذوي الاحتياجات الخاصة.. مجموعات من فرق العمل تعمل كخلية نحل لتقديم الطعام والشراب للفقراء ورواد المائدة.. شباب من مختلف الأعمار انتشروا في كافة أركان المائدة.. كل منهم له مهمة محددة.. فبعضهم يقوم بتقديم الوجبات والمشروبات وغيرهم يعمل بأقصى جهده في المطبخ الملحق بالقاعة وآخرون لعمل الصيانة للمعدات والأجهزة الكهربائية.. الكل يسعى هنا وهناك بجد واهتمام وحب لعمل الخير.

مشهد لم أعتد رؤيته في أي مكان.. أنواع الطعام والشراب والخدمة المقدمة للفقراء تفوق خدمة الفنادق الكبرى.. الابتسامة لا تفارق وجه مجموعات الخدمة.

.. شعرت أن الحرص على رضا رواد المائدة هو الهدف الأهم والأسمى لهم.

سألت عن صاحب المائدة فقالوا إن الحاج سيد هو مديرها والمسئول عنها.. ذهبت وقابلته وسألته عن المائدة اليومية والقائمين على هذا المشروع الضخم فأجاب: هذه المائدة تتم إقامتها يوميا طوال أيام السنة بلا انقطاع.. وقد بدأت منذ عام تقريبا بمسجد طلعت بالسبتية.. وأقامها مجموعة من رجال الأعمال المحبين للخير والتي تجمعهم صداقة منذ فترة طويلة..

قامت الفكرة على أساس عمل مائدة يومية لإطعام الفقراء والمساكين تكون أشبه بمائدة المنزل اليومية بمعنى أن يتنوع فيها الطعام يوميا كما يتنوع في المنزل.. ففي بعض الأيام تقدم على المائدة لحوم وخضروات كالفاصوليا والملوخية وغيرهما.. وأيام أخرى يقدم الكشرى أو الكبدة وفى بعض الأحيان تخلو المائدة من اللحوم.. وبهذه الطريقة نضمن استمرار المائدة واستمرار عملية تمويلها..

بداية التجربة

وقد لاقت فكرة إقامة المائدة اليومية في السبتية نجاحًا مبهرًا.. وشعرنا أننا نقدم خدمة خيرية لأناس لا يجدون قوت يومهم.. فالمرأة قد تأتي ومعها أولادها يوميا والرجل كذلك.. وحتى نطمئن إلى أننا لا نقدم عملا خيريا مهدرا، بدأنا نأخذ نماذج عشوائية لرواد المائدة ونبحث عن أحوالهم المادية والاجتماعية وبالفعل وجدناهم لا يملكون أى شيء في الدنيا وأن المائدة جاءت لتنقذهم من براثن الجوع وآلامه.. فرحنا بذلك كثيرا وفكرنا في توسيع الفكرة وتكرارها في أكثر من مكان.

وجاء مسجد الفتح في مقدمة الأماكن التي تم اقتراحها لتكرار تجربة المائدة اليومية وذلك لأن منطقة رمسيس التي يقع فيها المسجد هامة وحيوية فبالإضافة إلى أنها تجاور بعض الأحياء الشعبية الفقيرة فهى ملتقى لعابري السبيل القادمين من محافظات مصر المختلفة..

ويضيف الشيخ سيد ذهبنا إلى مسجد الفتح وعرفنا أن هناك قاعة كبيرة أسفل المسجد كانت تستخدم كمخزن "للكراكيب" والمخلفات.. وعندما عرضنا الفكرة على إمام المسجد وطلبنا إخلاء القاعة وافق على الفور ورحب بالفكرة.. قمنا بإخلاء القاعة وتنظيفها وتركيب السيراميك بها، وإعادة ترميمها وتجهيزها وتقسيمها إلى عدة أجزاء.. فهناك جزء مخصص للمطبخ، حيث يتم إعداد الطعام يوميا، وهناك قسم خاص للسيدات وآخر للرجال وجزء خاص بالمعاقين..

واستقدمنا ما يقرب من 20 عاملا وقسمناهم إلى فرق ومجموعات للقيام على خدمة رواد المائدة.. فهناك مجموعة للنظافة والتي نحرص عليها جيدا ومجموعة للمطبخ وغير ذلك.. وما زلنا نحتاج إلى مزيد من العمالة وهذا أيضا أحد محاور نجاح مشروع المائدة فبالإضافة إلى إطعام الفقراء فقد تم توفير فرص عمل لعدد من الشباب وأعلنا عن حاجتنا للمزيد بمرتب لا يقل عن 350 جنيها شهريا..

وماذا عن مواعيد المائدة؟

نحن نبدأ يوميا بعد صلاة العصر وحتى الساعة الثامنة مساءً وفي يومي الإثنين والخميس تكون هناك وجبات خاصة ومميزة على أساس أنهما أيام صيام..

ويضيف الحاج سيد.. نقوم يوميا بإطعام أكثر من 1500 فرد يوميا ولدينا طاقة لإطعام المزيد.. ويسعدنا أن يتضاعف العدد وندعو الله أن يعيننا على تكرارها في أكثر من مكان.. لا تتخيل مدى الراحة النفسية والسعادة التي يمكن أن تشعر بها عندما ترى طفلا يأكل ليقتل جوعا قد يفتك به أو امرأة كانت تضطر للتسول لإطعام أولادها، وجاءت لتعف نفسها وأولادها عن ذل السؤال..

توصيل للمنازل

وقد لفت ذلك أنظارنا إلى أن هناك أناسا ذوي حاجة لكنهم يتعففون عن السؤال فحاولنا أن نصل إليهم وقمنا بتجهيز وجبات وتوصيلها إلى المنازل وهذه الوجبات للمتعففين والمعاقين ومن لا يستطيع أن يأتي إلينا..

محمد أحد العاملين بالمائدة.. يقول: لا أنكر أنني في حاجة إلى راتبي من المائدة.. لكنني أصبحت أشعر أن القضية أكبر بكثير من الراتب والعمل وغير ذلك.. هناك شعور غريب ينتابني وأنا أقدم الخدمة للفقراء ورواد المائدة.. مزيج من السعادة والشفقة وحب الخير.. شعرت أن أشياء كثيرة تتغير داخلي منذ أن عملت هنا.. ربما أبرزها الرضا والشغف إلى الخير.. كنت أتمنى أن أتبرع براتبي للفقراء لكن ظروفي لا تسمح..

ويضيف محمد قائلا: أدعو كل شاب يجد في نفسه القدرة على التطوع وعمل أى شيء للمحتاجين ألا يتردد في ذلك، وسيرى نتيجة ذلك العمل ومردودة على شخصيته.. عليه أن يبدأ ويجرب وسيكتشف أنه انتقل من عالم إلى عالم آخر تماما..