كشف نائب رئيس الوزراء الدكتور برهم صالح عن تخصيص مبلغ ثلاثة ترليونات دينار لتنمية الاقاليم وتوفير الخدمات في المحافظات ، مؤكدا ان الحكومة اعدت خطة لمنح قروض للمشاريع الصغيرة وتأهيل المصانع الاهلية والشركات الحكومية.
وقال صالح ان رئيس الوزراء نوري المالكي وبعد اقرار قانون الاستثمار اوعز بتشكيل هيئة خاصة للاستثمار برئاسة ثامر الغضبان وتخصيص مبلغ اضافي مقداره ثلاثة ترليونات دينار لمشاريع تنمية الاقاليم بهدف تطوير مستوى الخدمات في المدن وتنفيذ مشاريع تعنى برفع المستوى المعاشي للمواطنين في المحافظات. واضاف نائب رئيس الوزراء انه تم صرف اكثر من ثلاثة ترليونات دينار منذ بداية السنة وحتى حزيران الماضي "ضمن موازنة العام الحالي التي تعتبر الاكبر في تاريخ العراق" على مشاريع استثمارية وخدمية ،مبينا تخصيص مبالغ اخرى خلال النصف الحالي من السنة الجارية". صالح اوضح ان الحكومة تسعى لخلق فرص عمل جديدة للقضاء على البطالة من خلال اطلاق القروض للمشاريع الصغيرة بمبلغ 50 مليون دينار اضافة الى قروض اخرى بمبلغ 20 مليون دولار لتأهيل المصانع مع منح قروض ميسرة للشركات الصناعية الحكومية.
خمسة مليارات دولار لتشغيل الشباب العاطل
وبالاضافة الى ذلك فقد اعلن في المؤتمر الاقتصادي الذي اقيم تحت شعار اعمار العراق بايدي العراقيين عن تخصيص 5 مليارات دولار من قبل الدول المانحة بهدف تشغيل الشباب العاطل بحسب ما تضمنته كلمات الافتتاح.
وحسب ما اعلن فإن هذه التظاهرة الاقتصادية إنما تعد بمثابة انطلاقة جديدة لبدء حملة اعمار العراق ولكن هذه المرة بايدي العراقيين الا ان المنحة المعلنة مخصصة لرجال الاعمار العراقيين شريطة استثمار طاقات الشباب العاطل وفق آليات تنسيقية بين الجهة المانحة الوزارات المعنية بتهيئة الشباب بهدف تشغيلهم.
وحدد الدكتور مهدي الحافظ خلال محاضرة له في المؤتمر مقومات ومصادر النهضة الاقتصادية الحقيقية والمتمثلة بتوفر قاعدة موارد طبيعة غنية ومتنوعة في مقدمتها الخزين النفطي الذي يبلغ ثالث مرتبة في الاحتياطي العالمي. وقال: هناك موارد مائية وفيرة وقوى عاملة تتعدى الثمانية ملايين شخص، لكن الامر يتطلب استمثاراً سليماً وادارة فعالة لهذه الموارد لمساعدة العراق على اجتياز المرحلة الانتقالية التي يمر بها ويستعيد مكانته السابقة كبلد من فئة الدخل المتوسط.
ولفت الى ان هذه المهمات والتحديات الكبيرة تطرح الحاجة الى بلورة رؤية اقتصادية مستقبلية واضحة وتوفير آليات وادوات تنفيذ فعالة على صعيد الحكومة وقطاع رجال الاعمال، فضلاً عن دعم حقيقي من جانب الدول والمؤسسات المانحة، ولعل محور هذه الرؤية يتركز في اصلاح مؤسسات واجهزة الدولة وتطوير طاقاتها التنفيذية ومكافحة الفساد المالي والاداري.
اما ممثل وزارة العمل والشؤون الاجتماعية رياض حسين فقد استعرض في كلمته الجهود التي قدمتها في مجال اعداد الشباب العاطل في دورات تدريبية تمكنهم من ايجاد فرص عمل فضلاً عن محاولتها زجهم في تعيينات وفقاً لمتطلبات الوزارات.
حسين طالب المؤتمر بتوصيات علمية جادة للحد من البطالة وبذل الجهود الاستثنائية لتحليل هذه المشكلة وتحديد مستوياتها وتطويق اسباب نموها واقتراح الادوات والوسائل القادرة على تحجيمها.واشاد بالجهود القائمة على تنظيم هذا المؤتمر الذي يهدف الى تدعيم ستراتيجية عمل اللجنة العليا للتشغيل والتدريب المهني في العراق وتمنى ان يكون هذا المؤتمر خطوة جادة على طريق معالجة البطالة وتطوير برامج التدريب والتشغيل.
فيما تحدث وكيل وزارة الشباب والرياضة بذات الاتجاه والهدف لتوفير فرص عمل للشباب لما تمثله هذه الشريحة نسبة مهمة في المجتمع العراقي.
ورغم تقديرنا للتوصيات، التي يخرج بها الوزراء والمخططون والمهتمون بالشأن الاقتصادي، لكيفية صرف هذه المليارات من الدولارات، فإن المطّلع يمكن أن يلحظ وبسهولة غياب واضح لأي اهتمام يذكر باعطاء دور فاعل للمتطوعين من الناس والجمعيات الاهلية للمشاركة في تحمل اعباء الخدمات والمساهمة في تدريب وتأهيل العاطلين عن العمل، في حين أن الدول المتقدمة تحرص دوما على تفعيل دور المواطنين وعدم الاعتماد الكلي على المؤسسات الحكومية التي قلما تخلو من فساد وبيروقراطية وتباطؤ في الأداء.
اذا كان مفهوما ما قام به النظام البائد من قمع لكل نشاط اجتماعي ومنع منعا باتا تأسيس الجمعيات الاهلية فما الذي يمنع حكوماتنا، في الوقت الحاضر، من تخويل الناس ودعمهم ومساندتهم لتأسيس كيانات أهلية وطنية يتعهدها المتطوعون والمحسنون منهم؟
ففي عرف الاستبداد أن الدولة يجب أن تكون شاملة وكلية وخارقة الأداء والقدرات، فهي تقوم بكل شيء نيابة عن المواطنين، فتبيع وتشتري وتتاجر وتعجن وتخبز، وتزرع الفجل والبصل والطماطة والبطاطة، وتجني محصول الشلب والبطيخ والرقي وكل انواع الفواكه والخضار وما خلق الله تعالى للناس والدواب، وتقوم بالرعاية الصحية، فتقدم العلاج وتبيع الأدوية وتتعهد بالخدمات الاجتماعية والبلدية، وتحتكر الفكر وطباعة الكتب وتتحكم بوسائل الإعلام المقروء والمكتوب والمسموع، وتصادر الرأي كما تصادرحق المواطنين في المشاركة السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وتنوب عنهم باتخاذ القرارات المصيرية وغير المصيرية، فتشن الحروب او تبني البيوت الطينية او الخوصية، لافرق، وتأمر الناس بالتصفيق لها والهرولة خلفها، واتباع أوامرها كما لو كان المواطنون حفنة من العبيد، او إن صح التعبير "شنقة" عجين تخبزه بيدها، أرغفة او صمونا او كعكا او بسكويتا أو حتى "كليجة" أو " سمسمية" أو أي شئ آخر.
هكذا كان الحال في زمن النظام البائد. وكان من الطبيعي أن يؤدي كل ذلك الى ورثنا لتركة ثقيلة اسمها "تعطل العقول الآدمية" وكانت من مظاهرها الاتكالية وانتظار الأوامر وعدم القدرة على الاجتهاد والمبادرة، خصوصا في دوائر الدولة ومرافقها العامة.
وكان من مظاهر ما ابتلينا به كشعب هو تعود الناس وللأسف الشديد، على الجلوس وانتظار أن تأتينا الدولة او الحكومة بكل ما نريد، كما عودتنا هي .. أن تزرع لنا وتحصد وتعجن وتخبز وتقرر وتبني دورا للايتام وترعى المعاقين والى آخر القائمة التي ذكرناها سلفا.
والدليل على ذلك.. هو عدم معرفتنا، ليس كلنا بالطبع، بشيء اسمه التطوع الفردي والجماعي والمبادرة الى تأسيس الجمعيات الاهلية "غير الحكومية" او الانضمام الى ما هو موجود منها والعمل على تفعيل دورها ومساندتها بالمال اوالكلمة الطيبة. ومن ثم لنترجم ذلك الفهم والادراك الى فعل وعمل جماعي يقوم بكل شيء ابتداء من تنظيف وتشجير الطرقات الواقعة امام بيوتنا ومرورا بتعبيد الأرصفة والشوارع، وتشييد الجسور وبناء المساكن، وليس انتهاء برعاية الأيتام والمرضى والمعاقين وتأسيس المراكز الصحية والخدمية الاخرى.
ولكن ما هو الحل؟
الجواب: لابد لنا أن نقوم بمعالجة الخلل الحاصل وتدارك الأخطاء المرتكبة وإعادة النظر في الكثير من السياسات والممارسات وتأمين التوازن بين واجبات الدولة وواجبات المواطن وحقوق الدولة وحقوق المواطن حتى ينفض الجميع عن أنفسهم غبار الكسل والتواكل ويتخلصوا من روح اللامبالاة واللامسؤولية، هذا من ناحية ومن ناحية اخرى فلابد أن تتخلص الأنظمة والدوائر الحكومية من عقدة السيطرة وتوابعها والهيمنة على المقدرات والخوف من التخلي عن أي جزء من صلاحياتها ومسؤولياتها. ولهذا فلابد للحكومة ان تقوم بإحالة اوتحويل الكثير من المسؤوليات الى الجمعيات الاهلية التي تعتبر الاكثر اهلية وكفاءة من اي مؤسسة حكومية خاضعة للفساد والبيروقراطية وتسود افرادها اجواء اداء الواجب الوظيفي وحسب.
ولهذا كله فإن رابطة المبرات العراقية تناشد الجهات الحكومية وجميع المهتمين بالتخطيط والتمويل اعطاء دور اكبر للجمعيات الاهلية لكي تكون رديفا مساندا وداعما ومكملا لجهودهم المبذولة. وإذا لم نكن نملك مؤسسات اهلية يعتمد عليها بشكل كاف، فينبغي حينئذ التحرك على هذا الصعيد سعيا لتلافي الاشكال الحاصل، حتى لا ينطبق علينا وعلى واقعنا المثل القائل: " في الصيف ضيعنا اللبن".