This site uses cookies for analytics and personalized content. By continuing to browse this site, you agree to this use.
We have updated our Privacy Notice, click here for more information Acknowledged

عقوبات قتلت 500 ألف طفل فهل كان الامر يستحق ذلـك؟
10/08/2009

 

 

عادل حمود- الصباح
في عام 1995 وجه مقدم برنامج ستين دقيقة في قناة سي بي اس سؤالا الى مادلين اولبرايت حينما كانت وزيرة للخارجية الاميركية كان نصه" هل تعتقدين ان موت نصف مليون طفل عراقي نتيجة للعقوبات الاقتصادية هو ثمن يستحق ان يدفع؟"، اجابت اولبريت " لقد كان هذا خيارا صعبا امامنا، لكننا نعتقد ان الثمن يستحق ان يدفع”.

لم تكن اولبرايت الوحيدة من السياسيين الاميركان التي ترى ان الامر جدير بالتضحية بهكذا اعداد من العراقيين، فهذا غوفرنر رتشاردسون الذي كان سفيرا للولايات المتحدة في الامم المتحدة في عهد الرئيس كلينتون يقول في مقابلة اجرتها معه ايمي غودمان ونشرت في موقع غلوبال ايشوز، " حسنا، انا ادعم العقوبات الاقتصادية واعتقد انها كانت ضرورية لاحتواء صدام واعتقد انها كانت اداة لتنفيذ سياساتنا الخارجية"، مضيفا انه يعتقد ان السياسة الاميركية تجاه العراق حينها كانت صحيحة.
الدور الذي لعبته العقوبات:
وكانت تلك العقوبات قد فرضت على العراق بموجب القرار رقم 661 الصادر في 6 آب 1990 وهو ثاني قرار يصدر من مجلس الامن بحق العراق بعد غزوه للكويت في 2 آب 1990 . ويمكن ان نلاحظ بسهولة انه قد صدر بعد اربعة ايام فقط من الغزو وهو الامر الذي يعتقد الكثير من الباحثين انه يجعل منه قرارا متسرعا. ونص القرار المذكور على فرض عقوبات شاملة على العراق، كما نص في الفقرة السادسة منه على تشكيل لجنة لمتابعة العقوبات سميت بلجنة 661.
وطبق هذا القرار والعقوبات الاقتصادية التي ادرجت فيه حينها لتحقيق هدف اساسي وحيد تمثل باخراج العراق من الكويت وانهاء الغزو فقط وهو ما حدث في اذار 1991 ، لكن القرار والعقوبات اخذت مسارا اخر بعد خروج العراق من دولة الكويت وعملت على خدمة غرض مختلف تلخص في جعل العراق يقر بسيادة دولة الكويت ويمتثل لشروط وقف اطلاق النار التي تضمنها قرار الامم المتحدة المرقم 687 الصادر في 6 نيسان 1991 الذي اعلن وقفا رسميا لاطلاق النار في حرب الخليج بعد قبول العراق انهاء الحرب، ويوافق على تشكيل لجنة الامم المتحدة الخاصة باسلحة الدمار الشامل المسماة يونسكوم والتعاون معها في عملها ووافق على تمديد العقوبات الاقتصادية ونص في الفقرتين 21 و22 منه على شروط غير واضحة المعالم لرفع او تخفيف هذا الحصار ما جعل المحللين السياسيين في حينه يصفونه بانه قرار" شجرة اعياد الميلاد" لان الكثير من التصرفات الصائبة او الخاطئة كانت تعلق عليه. ففي الفقرة الرابعة منه نص القرار على " الحاجة الى التأكد من نوايا العراق السلمية" في اشارة الى نظام صدام وربط استمرار العقوبات باستمرار النظام العراقي حينها.
 ورفعت العقوبات الاقتصادية في 22 ايار 2003 حينما صوت مجلس الامن التابع للامم المتحدة- بواقع 14 مقابل 1 فقط حيث امتنعت سوريا عن التصويت- على رفع العقوبات بعد الاطاحة بنظام صدام وذلك في القرار المرقم 1483.
 وتضمن القرار اعلاه رفعا للعقوبات غير الاقتصادية واعترافا بسلطة بريطانيا والولايات المتحدة كدولتين محتلتين للعراق ودعوة للبلدين الى توفير الامن والاستقرار وتوفير الفرصة للعراقيين ليقرروا مستقبلهم السياسي واستحداثا لمنصب الممثل الخاص للامم المتحدة في العراق لتنسيق نشاطات المنظمة في البلد وتأسيسا لصندوق تنمية العراق. 
ويعكس قرار رفع العقوبات- كما هو حال القرار بفرضها- قوة الولايات المتحدة وبريطانيا وتأثيرهما دوليا، كما انه القرار الاول من نوعه الذي سمح باحتلال خارجي من قبل دولة عضو في الامم المتحدة لدولة عضو اخرى.
علاوة على ذلك فقد وفر هذا القرار الغطاء الشرعي للدور الذي لعبته وتلعبه الولايات المتحدة في البلد حاليا وتميز بانه لم يحدد الدور الذي يمكن ان تؤديه المنظمات الدولية كمنظمة الطاقة الذرية- او غيرها من المنظمات المهتمة بالتسلح العراقي والمعترف بها دوليا- في اعلان العراق بلدا خاليا من اسلحة الدمار الشامل ولم ينه الحصار الخاص بالاسلحة المفروض من قبل الامم المتحدة ولم يوضح الدور المستقبلي للمنظمة الدولية في العراق.
تأثيرات العقوبات الاقتصادية:
منذ حرب الخليج عام 1991 الى ان تم رفع العقوبات الاقتصادية كانت هنالك جملة من العناصر التي اسهمت في تشكيل وتعميق الازمة الانسانية وتلك العوامل الحرب نفسها والعقوبات الاقتصادية والتدهور الذي شهده القطاع الصحي وتفاقم التلوث في المياه وتكرر الاعمال العسكرية ضد البلد كتلك التي جرت العام 1998.
وقد نشرت منظمة اليونسيف في عام 1998 تقريرا مستقلا لمستشارها ايريك هوسكينز حول تأثير العقوبات الاقتصادية في المواطنين العراقيين. واشار التقرير الى وجود تأثيرات مباشرة هي انها قللت من استيراد الادوية والمواد الغذائية والبذور والاسمدة وقطع الغيار الصناعية والزراعية والوقود والمستلزمات التربوية ومنقيات المياه والتجهيزات الخاصة بشبكات المياه، فضلا عن تقليل الصادرات ما اثر على عائدات ومداخيل البلد التي يمكن ان توظف في خدمة المواطن وانخفاض رصيد البلد من العملة الاجنبية. واثرت بصورة مباشرة وسلبية في قطاع الاتصالات والاعلام وعلى الجهود الدبلوماسية للعراق وعلاقاته بالدول الاخرى.
ووجد التقرير ان هنالك تاثيرات قصيرة الآمد لتلك العقوبات تلخصت في تداعي الواقع الصحي وتزايد الامراض والوفيات وانخفاض وزن المواليد الجدد وانتشار الامراض المعدية والاوبئة وتدهور نوعية وكمية المياه ونوعية الخدمات الصحية المقدمة، فضلا عن الانخفاض في وفرة الادوية والمواد الضرورية للفحوصات والاختبارات المختبرية والانهيار في التجهيزات الطبية والمختبرية وتلك الخاصة بالاشعة السينية.
ومن التأثيرات القصيرة الآمد ايضا ارتفاع اسعار المواد الغذائية وتفاقم مشاكل الحصول على الغذاء وتناقص المواد الغذائية الاساسية والوحدات الغذائية والسعرات الحرارية التي يتناولها الفرد العراقي وانخفاض في الناتج الزراعي المحلي وفي انتاج المحاصيل الحقلية وازدهار السوق السوداء الخاصة بالمواد الغذائية.
وعلى الصعيد الاقتصادي كانت هنالك تأثيرات قصيرة الآمد يمكن رؤيتها في تناقص العائدات التصديرية وتراجع عملية المتاجرة في داخل البلد وبين البلد ومحيطه مما افضى الى اغلاق الكثير من المشاريع الصناعية، ناهيك عن ارتفاع نسبة التضخم والبطالة وظهور السوق السوداء وانخفاض الاجور والرواتب والقدرة الشرائية وارتفاع مقدار القروض الشخصية بالتزامن مع التراجع في الاداء الاقتصادي على الصعيد الصناعي او التجاري او الزراعي نتيجة لتلاشي مصادر التمويل وتراجع المداخيل.
وبين التقرير وجود تأثيرات طويلة الامد تمثلت في تراجع الواقع الصحي العام للسكان وتلاشي القدرة الوطنية على توفير الخدمات الطبية وفقدان الانجازات السابقة في هذه المجالات وعودة ظهور الامراض المرتبطة بالفقر والتي من ضمنها الامراض المعدية والمزمنة. ترافق ذلك مع تراجع مزمن في النشاط التجاري وانحسار في العائدات و في دخل الفرد وتردد الجهات الاجنبية في الدخول في شراكة مع الجانب العراقي وارتفاع مزمن وكبير للبطالة وانهيار البنية التحتية العامة والخاصة وتراجع في الواقع التعليمي عموما.
ومن التاثيرات الطويلة الامد الزيادة في الفقر وانعدام المساواة الاجتماعية والفجوة في المداخيل بين الفقراء والاغنياء وانعدام الاستقرار الاجتماعي والتراجع في التماسك والترابط الاجتماعي والاسري فضلا عن التأثيرات النفسية، بينما كانت التأثيرات السياسية واضحة ومتمثلة في تأثير العقوبات على الوضع الديمقراطي وحقوق الانسان والحريات الشخصية وتداعي الوضع الامني.
هذا ما يخص الوضع العام في العراق ، لكن منظمة كريستيان ايد في تقريرها لعام 1998 اشارات الى ان الحصار الذي فرض على الشعب العراقي كان " حصارا مزدوجا" من قبل الامم المتحدة والحكومة العراقية، مضيفة ان من نتائجه في المنطقة الشمالية غير الخاضعة لسلطة الحكومة العراقية هي تطوير اقتصاد غير منتج مبني على العائدات المتأتية من الرسوم والتعريفات الكمركية ومن عمليات التهريب الى الدول المجاورة كايران وتركيا. هذا الامر انعكس على الواقع العام لشمال العراق وافضى الى صراع بين الفئات السياسية المختلفة في منطقة كردستان نتج عنه قتال استمر لاربعة اعوام من 1993 الى 1997 .
وفيات العراقيين
من العقوبات الاقتصادية:
كل ما ورد ذكره كان مبنيا على استطلاعات وتقارير من ضمنها تقارير اليونيسيف ومنظمات الامم المتحدة الاخرى والتي اشارت الى ان العقوبات الاقتصادية بالاضافة الى حرب عام 1991 قد تسببت في وفاة قرابة مليون عراقي حتى عام 1998 نتيجة الجوع والامراض.

وبحسب تلك المنظمات فان نصف هذه الوفيات- اي حوالي 500 الف- كانت من الاطفال، لكن هذه الارقام كانت عرضة للجدل نتيجة لاساليب جمع المعطيات الخاصة بها، فضلا عن تناقضها وتقديرات اخرى . فقد قدرت دراسة اجراها معهد بروجيكت ديفينس الترناتيفيس ونشرت في 20 تشرين الاول عام 2000 ،ان العدد الكلي للوفيات في صفوف الاطفال هو 170 الف، فيما قدر ريتشارد غارفيلد من جامعة كاليفورنيا ان العدد الكلي للوفيات قد تراوح بين 345-530 الف عراقي للفترة ما بين 1990-2000.
ومن جهة اخرى بينت منظمة اليونيسيف في تقرير لها في عام 1999 ان نسبة الوفيات في صفوف الاطفال قد تزايدت في المناطق التابعة لسلطة الحكومة العراقية، فيما شهدت انخفاضا في مناطق الحكم الذاتي في الشمال، كما اشار التقرير الى وفيات الاطفال قد ازدادت بمقدار الضعف في السنوات العشر الاخيرة.
وقال انوباما راو سينغ الممثل الاعلى لليونيسيف في العراق لصحيفة الغارديان في 4 اذار 2000 "ان نسبة الوفيات في صفوف الاطفال قد تحولت من واحدة من ادنى النسب في العالم الى واحد من اعلى النسب”.
من يتحمل المسؤولية؟
بينما يتحمل نظام صدام المسؤولية عن هذه التداعيات، فان سياسات الامم المتحدة كانت ايضا جزءا من المسؤولية، كما قالت ذلك مجلة نيشون التي اوردت مثال على ذلك هو استقالة دنيس هيليدي الذي كان منسقا للجهود الانسانية ومساعدا للامين العام فيما يتعلق بالشؤوون العراقية.
وكان هيليدي قد استقال العام 1998 بعد ان امضى 34 عاما من العمل مع الامم المتحدة.
وهنالك ايضا شخص اخر برهن على ان تلك السياسات قد اسهمت في قتل الشعب العراقي وتجويعه هو هانز فون سبونيك الذي كان منسقا للشؤون الانسانية في العراق. فعندما استقال سبونيك كتب رسالة وجهها للوزير بيتر هاين الذي كان مسؤولا عن الملف العراقي في الحكومة البريطانية اشار فيها الى مجموعة من النقاط التي اوردتها الولايات المتحدة وبريطانيا في تبريرهما لاستمرار العقوبات على العراق.
وقد نشرت هذه الرسالة في عدد صحف ومنها صحيفة الغارديان التي نقتبس منها مقولة لسبونيك في الرسالة يشير فيها الى" انه من المثير للغضب انه على النقيض مما تعرفه بصورة جيدة، فانك تكرر مرة بعد الاخرى معلومات مضللة وملفقة تخدم بها مصالحك”.
وكان هاين ومسؤولون اخرون قد اشاروا الى ان العراق قد امتلك مليارات الدولارات من الاموال التي كان يمكن ان يصرفها على مواطنيه، لكن فون سبونيك يقول بان اجمالي ما امتلكه العراق كان مبلغ 16 مليار دولار فقط توجب عليه صرفها في اربعة اعوام بعد استقطاع مبالغ التعويضات الخاصة بالكويت منه ودفع مستحقات شركات النفط العالمية، مبينا ان اجمالي ما امتلكه العراق فعليا هو مبلغ يوازي 100 دولار يتم صرفها لكل عراقي في كل عام.
رفع العقوبات:
في نهاية المطاف وبعد جدل استمر لاكثر من عقد من الزمن رفعت العقوبات عن العراق، لكن ذلك لم يكن لاسباب انسانية وجدها المواطنون العراقيون ملحة وطالبوا الامم المتحدة برفع الحصار لاجلها، بل لان الهدف السياسي منها وهو الاطاحة بنظام صدام قد تم تحقيقه.
ما لم يتم رفعه او تسهيله هو الابقاء العراق خاضعا للفصل السابع من ميثاق الامم المتحدة وهو امر يقول عنه حامد البياتي سفير العراق في الامم المتحدة في المقابلة التي اجريت معه في 7 تشرين الثاني 2008 من قبل موقع يو بي كوم،" انه ينطوي على قضيتين مهمتين همـا انه يعد العراق خطرا على الأمن والاستقرار والثاني انه يخول الدول الاعضاء في مجلس الامن باستخدام القـوة ضده. ولهذين السببين ترغب الحكومة العراقية في الخروج من هذا الفصل.
اننا لا نعتقد ان العراق بقي يمثل خطـرا على الامن والاستقرار ولا نعتقد ان هنالك حاجة لتخويل الدول الاعضاء فـي مجلس الامن باستخدام القوة ضد العراق”.