This site uses cookies for analytics and personalized content. By continuing to browse this site, you agree to this use.
We have updated our Privacy Notice, click here for more information Acknowledged

طابور من الجهلة يحملون شهادات الدكتوراه: بحوث أكاديمية للبيع بأسعار مناسبة..!
18/01/2010

 


بغداد - نجلاء الخالدي- الصباح
المتجول في شارع المكتبات القريب من مجمع الكليات في باب المعظم يمكنه سماع صيحات "سماسرة البحوث" الذين ينشطون امام واجهات المكتبات وعند مداخل الجامعات بانتظار زبائنهم من طلبة "الدراسات العليا "فيما تتوزع على جدران الجامعات يافطات تعلن استعدادها لتزويدالطلبة بالبحوث والرسائل والاطاريح.

عماد خلف الذي يدير احد هذه المكاتب دعاني للدخول الى مكتبه واستفسر مني عن حاجتي مبينا ان مكتبه يستطيع تجهيز الطلبة بالاطاريح والرسائل الجامعية مؤكدا ان زبائنه الان صاروا يحملون شهادات عليا لانهم مستعدون للتعاون مع الزبون الى اي مدى يريد،وعن اسعار البحوث اوضح خلف ان اسعار" البحوث الجاهزة" تتراوح مابين 750الف دينار الى ثلاثة ملايين دينار اما اذاكان البحث حسب الطلب فأن السعر قد يصل الى مليوني دينار.
 حماسة خلف في الحديث معي اختفت ولغته تغيرت بعد ان اكتشف بخبرته الطويلة اني لست زبونة حقيقة وان اسئلتي فيها الكثير من الفضول ،خلف تبرع بنصيحة قال انها مجانية مفادها ان لا اجهد نفسي بالبحث عن اسرار تختفي وراء اسئلتي.

كلام غير مباح
أخذت بنصيحة خلف وتركت المكاتب خلفي ودخلت الى الجامعة المستنصرية احاول فتح حوارات في موضوع بدا الكلام فيه غير مباح
لكن احد طلبة الدراسات العليا نصحني بالذهاب الى "المكتبة المركزية"

اكبر واشهر مكتبة في بغداد.
عندما دخلت المكتبة الوطنية علمت ان الطالب اراد ان يدلني على المكان الذي شهد بداية تجارة البحوث، فبحسب الاستاذ خالد حنتوش رئيس "وحدة البحوث والدراسات" في كلية الاداب تحولت المكتبة الوطنية مطلع التسعينيات الى مكان مثالي للمساومات بين طالبي البحوث والرسائل الجامعية وبين بائعيها الذين لا يفضلون الظهور في واجهة الصورة لكنهم معروفون وبعضهم صار اشهر من نار على علم قبل ان تتوسع هذه التجارة ويصبح لاصحابها مكاتب في مناطق معروفة في بغداد .
والواقع ان هذه الظاهرة جديدة على نظام التعليم الجامعي الذي كان يعد الأفضل في منطقة الشرق الاوسط

حتى منتصف الثمانينيات اذ بدأت  مطلع "التسعينيات " من القرن الماضي
حنتوش يرى ان مسألة ازدهار تجارة البحوث يعود لسبب واحد هو العوز المادي .ففي منتصف التسعينيات من القرن الفائت اصبح راتب الاستاذ الجامعي لا يكفي لشراء بدلته التي يرتديها اثناء الدوام،ماولد نظرة دونية له من الطلبة الميسوري الحال، خاصة ابناء المسؤولين والتجار الذين حصل الكثير منهم على شهادت عليا بدون ان يبذلوا اي جهد.

طاولة النقاش
ومازالت تجارة البحوث مستمرة كما يقول الاستاذ في كلية العلوم بجامعة بغداد احمد نعمة حيث انحدر المستوى العلمي في المدارس والجامعات ووصل ثلة من الانتهازيين والجهلة الى ترؤس العديد من الاقسام العلمية والانسانية في الجامعات العراقية وحسب الانتماء الحزبي والولاء للنظام لتنهار قيم التعليم ولتفقد الشهادة الجامعية قيمتها وهيبتها العلمية والأجتماعية حتى وصل الحال الى ان اصبح حامل شهادة الجامعات العراقية منذ العام 1990 لغاية اليوم محل سخرية وشك.
لكن وزير التعليم عبدذياب العجيلي تحاشى التوسع في الحديث عن تجارة البحوث مقللا من اهمية الموضوع بيد ان اصرار “الصباح” على الحصول على اجابة محددة دفعت الوزير الذي كان يتحدث في ندوة نظمتها مؤسسة المدى جمعته بعدد من اساتذة الجامعات والاعلاميين الى القول ان الموضوع في اشارة الى تجارة البحوث لايزال مطروحا على طاولة النقاش.
بيد ان رئيس جامعة بغداد الدكتور موسى الموسوي اقر بوجود ما اسماه بظاهرة تجارة البحوث مشيرا الى ان الظاهرة بدات تنحسر تدريجيا بسبب الاجراءات الرادعة التي اتخذتها الجامعة وبالنظر لصعوبة الكشف عن المتعاملين في هذه الظاهرة التي تجري في الخفاء مبينا ان المكاتب التي تتعامل ببيع البحوث تعمل تحت واجهات اخرى ملمحا الى وجود تقصير في مكافحة هذا الوباء لانشغال الوزارة بامور اكثر الحاحا دون ان يبين تلك الامور وكيف قدرها بانها اكثر الحاحا من تجارة البحوث.
الموسوي اوضح انه اذا تم اكتشاف المتعاملين ببيع وشراء البحوث سواء من الطلبة او الاساتذة فانهم يعرضون انفسهم الى عقوبات عديدة بينها ترقين قيد الطالب الذي ثبت انه قدم بحثا جاهزا فيما يتعرض الاستاذ الى عقوبة النقل من وزارة التعليم العالي الى وزارة اخرى فضلا عن اطلاع الرأي العام عن فعلته.

بحوث من الانترنت
وتعلل طالبة الدكتوراه امال حسن اسباب فشل الرسائل الجامعية عن معالجة قضايا المجتمع الى ان طلبتها لايبذلون جهودا بحثية حقيقية، فهم يحصلون عليها جاهزة و من ثم دخل "الانتر نت" الى العراق ليتحول من اختراع مفيد الى نقمة على التعليم اذ سهل عملية استنساخ اطاريح جامعية منشورة على العديد من المواقع لطلبة جامعات عربية واجنبية ،وتروي حسن كيف ان زميلة لها قامت بعمل اطروحة بذلت فيها جهودا كبيرة لكنها اصيبت بالاحباط لكون زميلة اخرى لها اشترت اطروحة جاهزة فنالت درجة نجاح افضل منها. ولذلك يساورالشك العديد من اساتذة الجامعات بشأن تزايد عدد الطلبة الراغبين في الحصول على الشهادات العليا،فقد بلغ عدد المتقدمين هذا العام اكثر من "4389 " طالبا لنيل شهادتي الماجستير والدكتواره في شتى الاختصاصات وبالمقارنة مع الاعوام الفائتة، فأن الرقم تضاعف ثلاث مرات عن العام الماضي لا سيما بعد تعديل سلم الرواتب وصدور قانون الخدمة الجامعية الذي اعطى افضلية ساحقة لحملة الشهادات العليا بالمقارنة مع بقية الموظفين ممن لايحملون شهادات عليا،ولاتقتصر هذه الزيادات في عدد الطلبة  بين جامعة واخرى فقد ارتفع طالبوها في كلية التربية من (120) طالبا في العام الماضي الى(1250) هذا العام وكذا الحال في كلية الاعلام اذ تقدم (133)طالبا في العام الماضي في حين تقدم (553)طالبا ،هذه الارقام تعكس بحسب اراء المعنيين قضية اخرى تتمثل بسهولة نيل الشهادة العليا عن طريق شراء الاطاريح، ماينعكس سلباعلى المستوى العلمي ويؤدي الى استفحال  الظاهرة.
ما دعا طبيب الباطنية وطالب شهادة الماجستيرحيدر حسن طارش الى الحث على اجتثاث هذه الظاهرة السيئة التي تزيد من طابور الجهلة في الجامعات والكليات؟
وتسهم في مزيد من (الفساد الإداري) في هذه المؤسسات التربوية التي يفترض أن تكون هي الجهات التي يعتمد عليها المجتمع في التوجيه والبناء التربوي للأفراد فيه.