This site uses cookies for analytics and personalized content. By continuing to browse this site, you agree to this use.
We have updated our Privacy Notice, click here for more information Acknowledged

جهود كبيرة تفسدها بعض ممارسات خاطئة: مهمة خاصة في مستشفى اليرموك
25/01/2010

 


بغداد ـ ابتهال بليبل
ما ان كلفت بمهمة اعداد تحقيق عن واقع مستشفى اليرموك، حتى توجهت الى المستشفى، عند البوابة رفض موظف الاستعلامات دخولي كوني أحمل عدة العمل الصحفي  (جهاز تسجيل وكاميرا)،

لكنه نصحني بالدخول عن طريق البوابة الخلفية والحق اني كنت متوجسة وخائفة بأني لن أتمكن من الدخول، في البداية رفض الحارس الأمني الموجود إدخالي أو حتى فتح البوابة وتحدث معي من خلفها وطلب مني الدخول من بوابة المبنى الخاص بالموتى الذي يسمى (الثلاجة) سارعت بالدخول من تلك البوابة لكني فوجئت بعدم وجود أحد الى أن صادفني رجل مسن عرفت انه عامل خدمة وطلبت منه مساعدتي للدخول الى جناح الولادة، دلني الرجل على الطريق ومضى الى سبيله.
أصبحت مرافقة
 نظرت اليها وأنا أركز في كل حرف تتفوه به وهي تحدثني حتى هوى قلبي من الاثارة ورأيت أن ما حصل عبارة عن فرصة لي لمصارحتها بأني صحفية ولدي مهمة في كشف معاناة الناس وإيصالها للجهات المعنية ، رحبت السيدة بعد ان عرفتني بنفسها وقالت إنها على أستعداد لمساعدتي وأقترحتُ عليها بأن انتحل شخصية احد أقاربها (ابنة خالتها) كي أستطيع الدخول الى صالة الولادة معها دون عرقلة أو معارضة ، كانت هذه أولى الامور التي تحتاجها مهمتي ....أخذت (أم سوماء) مستلزمات الولادة وذهبت الى ابنتها ، وبقيت أنا أنتظر وأفكر في كيفية الدخول بعدها ، ولكن ما ان اوصت الرجل المسؤول عن دخول المراجعين الى جناح الولادة ... ورغم تلك السلبيات فقط لاحظت أن هناك جهوداً واضحة تبذل من العاملين في المشفى الذي يستقبل يومياً مئات المراجعين، وهو عدد على ما يبدو أنه يفوق طاقته الاستيعابية، وعدد الملاكات الطبية والفنية العاملة فيه ... بدا المرضى مرتاحين لوجبة الطعام التي تقدم لهم ، حصلت أنا على وجبة باعتباري مرافقة لإحدى المريضات ويظهر أن هناك عناية خاصة بموضوع غذاء المرضى..

النظافة
أكثر الأمور التي تلفت المراجعين الى هذا المشفى الكبير هي النظافة ، حيث تجولت بين الأقسام والردهاتي المستشفى ولاحظت الجهود التي يبذلها العمال بهذا الخصوص ، وأنا اتجول لمحت مدير المستشفى يتابع باهتمام ويؤشر الى مكان هنا ومكان هناك بحاجة الى اكثر الأدوية
اندهشت عندما وجدت أن الأدوية متوفرة في هذا المشفى ويمكن أن يحصل عليها المريض المحتاج بيسر ، فقد لاحظت أمامي وتابعت حصول المريضة سوماء على( حقنة اختلاف صنف الدم ) للمرأة التي يبلغ ثمنها خارج المستشفى ( أكثر من 75000 ) ألف دينار بينما حصلت عليها بدون مقابل.
(لعب ايدك!)
يتعامل بعض العاملين في المستشفى إبتداء من حراس البوابات ( الاستعلامات ) وعاملات الخدمة والمشرفات على قسم النسائية والتوليد والولادات والتي يطلق عليهن بالعامية ( الجدة )  والممرضات مع المرضى والمراجعين بفوقية واهمال إذ لم يقدم لهم شيء والذي يأتي بعدة تسميات منها ( الحلاوة ، الفرحة ، لعب أيدك ، دير بالك علينا ، بحبحها ويانا ، يمعود الى هسه ممتغدين ، رصيد ما عندي والخ)  بينما غيرهم  يفضل استخدام أسلوب (لوي اليد) مثلا عدم ادخال المراجع رغم اهمية دخوله ، عرقلة عمل المراجع والمريض ، عدم تقديم المساعدة والتي يفترض انها من واجباتهم لانهم يتقاضون عليها رواتب من الدولة ... وتَحت إصرارهم يوافق المراجع على مضض أن يقدم لهم ما يريدون ، ولكن للأسف بمرور الوقت يخيبون ظن المراجعين ، إذ يعمدون الى أسلوب مدروس ومخطط له ، وما ان تدخل يأتيك غير الذي قمت بدفع الدخولية ( الرشوة ) له ويلاحقك للخروج فتعود مرة أخرى وأنت لا تستطيع الدخول دون الدفع مرة ثانية وهكذا يتناوب عليك جميع العاملين ولا تستطيع الافلات من أحدهم دون الدفع له ، تسعيرة الدخول وفق ما حصل لي هي ( خمسة الاف دينار ) لكل ربع ساعة تقضيها في داخل قسم النسائية والتوليد ، حتماً فبالمال نستطيع أن نؤكد قيمتنا ومن دون المال نفقد قيمتنا ، ناهيك عن المبالغ التي تؤخذ غصباً من قبل عاملات الخدمة والممرضات اللواتي لا يقبلن بأقل من المبلغ المذكور أعلاه حتى أنني فوجئت باحداهن ترفض استلام ثلاثة الاف دينار إكرامية.

ارباك غريب!
أحداث كثيرة أحاول ترتيبها عشت من خلالها ساعات طويلة داخل جناح صالة الولادة والأماكن القريبة منها وسط مشاعر عنيفة متناقضة ، بين توجس وتردد وخوف وأمل وتعب ، استنشقت بعمق رائحة الدماء والأدوية ، والأصوات التي تنتشر في فضاء المستشفى، نساء تغفو من الألم وأخريات تعلو أصواتهن أدركت ساعتها أن بذرة مريرة تفتحت في أعماق العاملين هناك من قسوة ورشوة وخروقات لا يستطيع أي أحد منا مقاومتها، وعلى مستوى الخطر المحدق بالمواطن فالأوجه كثيرة، فهناك إحدى المريضات التي دخلت الصالة وهي في حالة خطيرة جدا ، حيث تم توليدها على يد (جٌدة ) في مدينة المحمودية ما ادى لاصابتها بتمزق جزء من رحمها ، وبينما أنا أتابع ما يجري تحدثت مع احدى النساء الجالسات ( أم زينب) التي بدا لي انها في انتظار ولادة زوجة أخيها منذ يومين فقالت لي وهي تنظر الى حادثة مريضة المحمودية " هناك مسؤولية تقع على المستشفى في وجود عدد أكبر من الطبيبات المختصات بحالات الولادة ، لانه ليس من المعقول ما تتعرض له هذه المريضة وكيف أن الكادر اصيب بحالة ارباك غريبة ولا نعلم هل السبب كان  في عدم وجود طبيب مختص أم انهم لا يستطيعون السيطرة على حالتها مضيفة لو كانت هناك متابعة حقيقية كان بالامكان تلافي أي معوقات..
حالة خطرة
بعدها حل صمت مشحون بالازدراء لتتابع ام زينب كلامها " ، لقد أحضروا مريضة المحمودية وهي في حالة خطرة وقد تفارق الحياة ، وعليه يجب أن يغادر جميع الزائرين صالة الولادة كي لا يتسرب خبرها ، لم أرفع نظري الى وجهه بل تحولت نظراتي اليها وقد تجمع حولها أكثر من سبعة أشخاص من كادر المستشفى ، الكل كان يحاول جاهداً السيطرة على تلك الحركات اللاإرادية التي تصدر منها ، عصف الغضب بإحداهن وصرخت ثائرة أين اهل المريضة أحضروهم لي الآن، لم يستجب أحد لصرخاتها لكنها خرجت بعد برهة تصرخ مجدداً خارج صالة الولادة ، وتقول: لا شأن لنا بها ان حصل لها شيء وطالبت بحضور أهلها ، دخلت في ساعتها سيدة ارتسمت على وجهها نظرات خائبة ، فيما دموع ثقيلة سقطت على ردائها المهترئ ، كانت حزينة ومتعبة وأصابعها ترتعش وهي تحمل تحت عباءتها طفلاً رضيعاً ، تحاول الرد عليها ولكن فمها كان يرتجف بقوة ، أحسست باضطرابها الذي تعجز عن كبحه ، فسارعت الى التحدث معها وطلبت منها ان تذهب الى المريضة ، واخبرتني بأنها كيف ستذهب اليها واين تضع هذا الطفل وهرعت للخروج لتسليم الطفل الى والده لكن موظف الاستعلامات رفض خروج الطفل ، فاحتارت بأمرها ، طرحت عليها فكرة أن تضع الطفل مع أحدى عاملات الجناح مقابل اعطائها مبلغاً من المال للخروج من هذه الأزمة ، فهرعت مسرعة لتنفيذ ما قلته لها.
نجاحات باهرة
وقدم مدير مستشفى اليرموك الدكتور حازم عبدالله احصائية لعام 2009 ، تتضمن زيارة ما يقارب ( 333211000 ) ألف مراجع خلال العام واستقبال  (7525000 ) ألف حالة طوارئ ناجحة و (1313000 ) ألف أستشارية أطفال واجراء  (27000 ) ألف عملية جراحية ناجحة ، ( 13471000 ) ألف حالة ولادة ف و( 1145000 ) ألف أصابة بحالات العنف ، وهي بمثابة مؤشرات لجميع المتدخلين والمعنيين في التلميح لمحط اهتمام هذا المستشفى بالمراجعين..
إهمال
وضعت نضال جسدها ورسخته على الأرض ، وهي بحالة يرثى لها كان معها سيدة ورجلان من الأمن أحدهما مفوض والآخر حارس ، سعيت لمعرفة وضعها فأخبرتني ( أم نور ) مأمورة في مركز شرطة حي الفرات ، بأن نضال موقوفة منذ أيام في المخفر بتهمة الاغتصاب حيث إنها قدمت شكوى لرجال المغاوير بقيام جارها بإغتصابها فعمدوا الى زجها مع المعتدي عليها في التوقيف ، وبما إنها كانت حاملاً فقد شعرت اليوم بآلام الولادة فطلبوا مني احضارها الى المستشفى بأمر رسمي من مركز الشرطة، وتواصل أم نور حديثها لقد طلبت من نضال أن تتنازل عن الدعوة رفضت على الرغم من أن زوجها لا يعلم ولا أهلها بأنها موقوفة في المركز وتتعجب أم نور عن كيفية حل هذه المسألة وخاصة هي على وشك الولادة ، بينما اشتكت نضال من الاهمال الحاصل وكيف انها رفضت أن تقوم الطبيبة بفحصها بسبب عدم امتلاكها للشروط الصحية وعندما سألتها عن أي شيء تعني قالت وهي تتألم (هل يُعقل أن تفحص طبيبة مريضة وأظافر يديها طويلة ؟ ألم تفكر بحالة المريضة ، ناهيك عن أسلوبهن المتعالي وغضبهن بسرعة وعدم الرحمة بحالة المريضة ؟!) موضحة أن من المفروض أن تكون هناك رعاية خاصة ومتابعة ومراقبة حتى على الطبيبة..
إجراءات ولكن؟
هناك ترتيبات كثيرة وحزمة إجراءات وقفت صفاً واحداً تجاه دخول أي مراجع أو زائر الى المستشفى ، هذا بخلاف مجموعة من الأفكار التي دفعت بها إدارة المستشفى للحفاظ على توفير أعلى مستوى من التنظيم ، لكن للأسف لم نجد ذلك في جولتنا، ربما وجدنا شيئاً منها صباحاً فالقوانين تطبق بحذافيرها ، ولكن ما أن ينتهي وقت الدوام الصباحي حتى تصبح المستشفى كمنتزه يعمد اليه كل من هب ودب ، ناهيك عن الاختلاط بين المرضى والمراجعين من جهة وبين المراجعين انفسهم من جهة اخرى ، فهنالك تقصير في تجهيز النساء اللواتي يلدن فعدد كبير منهن يرقدن  فوق اسرة فارغة ولا تحتوي على شراشف أو وسائد.
مدير عام مستشفى اليرموك التعليمي
إنها هموم ومعاناة عشناها بكل تفاصيلها من خلال  جولة ميدانية ومعايشة مؤلمة ... على رغم السلبيات وتفشيها التي تلتقي على استبعاد قبول أو رضا إدارة المستشفى لها، اكد الدكتور حازم عبد الله مدير عام مستشفى اليرموك التعليمي ، رفضه الشديد للكثير من الممارسات التي تزيد معاناة المراجع والمريض ، ليوضح لنا بأنه على علم بالكثير من هذه الممارسات ، وأنه مقتنع بضرورة دفع أي ثمن للتخلص منها ، وهو غير مستعد للبحث عن أي تسوية سلمية أو ابداء أي تسامح لكل من تشير أصابع الاتهام نحوه .. لكنه القى  باللوم أيضاً على المراجع أو المريض في سكوتهِ عن هؤلاء ، وكي تستقيم المعادلة فقد أكد د. حازم بأنه لم يجد أسلوباً أو طريقة إلا وأتبعها ومنها بما يخص حالات الرشاوى بأن وضع في كل مكان في المستشفى (كاميرات) لرصد تلك الممارسات حتى أنه قال ضاحكاً (لم يبق لدي إلا أن أُرَكب سماعات وأجهزة تنصت) كي أحد من ذلك ، كما وضح للصباح بأنه قام بإنهاء خدمات ثلاثة موظفين لضلوعهم بالجرم المشهود في الرشوة..
دعوة
ووجه  د. حازم عبد الله دعوة لكل مراجع ومريض لتقديم شكوى عن أي ممارسة يشعر بها تسيء للصالح العام والخاص بشرط أن يكون صادقاً بشكواه ، مبيناً أنه لا يستند الى شكاوى ضبابية المفهوم لهدف كما يصورها الدكتور تعرقل الأمور وتثير المشكلات ..على صعيد آخر ، رفض الدكتور حازم ممارسات واساليب واخلاقيات بعض الطبيبات او المعينات التي جاءت من خلال ما طرحناه عليه من حيث التعامل الفج والامور الصحية الواجب ان تمتثل لها ، رغم رفضه إلا انه تعاطف بشكل غير مباشر معهن مستشهداً بالكم الهائل من الولادات التي تدخل الى هذا القسم ، موضحاً ان للتعب النفسي والجسدي دوراً كبيراً في اظهار مثل هذه التصرفات.