كثير منا، ربما، قرأ او سمع عن الطفلة "حليمة" ذات التسع سنوات التي انفجرت تبكي بكاءً شديدا عندما سألها احد الصحفيين عن أحوالها المعيشية وظروفها الصحية وهي تقضي سنتها الرابعة في دار عام للأيتام.
قتل والدا (حليمة) في إحدى المفخخات التي استهدفت سوقا شعبية في ضاحية بغداد الجديدة، شرقي العاصمة، وانتقلت على اثر ذلك إلى دار للأيتام ترعاه الحكومة ولكنها ما زالت تتوق إلى حضن والدتها وحنان أبيها.
تقول (حليمة) "كنت وعائلتي المكونة من أربعة أشخاص نروم شراء بعض الحاجيات من إحدى الأسواق الشعبية في بغداد الجديدة عندما انفجرت سيارة مفخخة كان يقودها انتحاري.. لم أزل أذكر كيف تحول الناس الذين كانوا يتبضعون إلى جثث متفحمة من اثر الانفجار."
وتابعت حليمة والدموع تذرف من عينيها "تم نقلي إلى المستشفى وعولجت؛ إلا أنهم أخبروني أن أبي وأمي قتلا وأن أخي الصغير نجا وقد تبنته فيما بعد إحدى العائلات مما حدا بأقاربي إلى جلبي إلى هذه الدار."
وقبل أيام كان هناك نداء استغاثة حول عائلة في منطقة الجهاد في بغداد قام الإرهابيون بقتل الأب ثم بعد ذلك قتلوا الأم وكانت النتيجة هي تسعة أطفال أيتام اكبرهم شقيقتهم التي قتل الارهابيون زوجها فانضمت اليهم كأرملة ويتيمة أيضا.
هذه القصص هي غيض من فيض لمآسي يعيشها عشرات آلاف الأطفال الايتام هذه الايام في العراق، وما لم يتم التحرك السريع لاحتضانهم ورعايتهم وتربيتهم ومعالجة مشكلاتهم النفسية والعاطفية وتأهيلهم في "مبرات" متطورة تعنى بإنسانيتهم قبل أجسادهم، فإن معاناتهم ستتعمق وتتسع وتكبر، وحينئذ فإن الجرح والألم سيكون مضاعفا ليس عليهم فحسب وانما على المجتمع الذي يعيشون فيه ايضا.
واليوم فإن انشاء "المبرات لرعاية الايتام" من قبل المؤسسات الاهلية الخيرية يعد اهم حقل للعمل الخيري ويأتي على رأس الأوليات في هذا المجال كيلا يضيع الايتام في حضورنا.
ويكفي ان يدرك احدنا اهمية وجود المبرات التي ترعى الايتام، ان يتصور انه هو الذي مات او قتل وترك اطفاله، كما هو حال الطفلة حليمة، وبعد ذلك ليتخيل ما الذي ينبغي ان يقوم به الناس الآن وعلى الفور تجاه ابنائه؟
هكذا.. ينبغي ان نعمل ونتحرك، فرب "مبرة تحتضن وترعى الأيتام" تكون عند الله تعالى اهم من اي عمل خيري آخر هذه الايام تحديدا حيث يتناثر الأيتام في كل ناحية ومكان.
واذا لم يكن بوسع احدنا اقامة مبرة لرعاية الايتام، لقلة ذات اليد او لعدم وجود الخبرة، فهناك اليوم مبرات أهلية في هذه المحافظة او تلك يمكن مساعدة القائمين عليها لتكثيف جهودهم وتوسيع نطاق خدمتهم لتشمل اكبر عدد ممكن من الايتام.
وفي هذا الصدد فإن مبرة ايتام التضامن الخيرية تعد احد المؤسسات المهمة التي تعنى بشؤون الايتام في محافظة ذي قار ، وتوجد لهذه المبرة اربعة فروع توزعت في قضاء الجبايش (90 كم جنوب شرق الناصرية) وآخر في قضاء سوق الشيوخ (30 كم جنوب الناصرية) وفرع جديد تم افتتاحه في قضاء الشطرة ( 40 كم شمال الناصرية ) ، اضافة الى فرع الناصرية.
كما ان المبرة الكبيرة التي يجري العمل بانشائها في منطقة العطيفية ببغداد والتابعة لمؤسسة ايتام وفقراء العراق التي يرعاها السيد محمد حسين فضل الله، تعتبر من اكبر المبرات لأنها ستضم حوالي 1000 يتيم بالاضافة الى مدرسة ستهتم بشؤونهم التربوية والتعليمية.
وبالتأكيد فإن هناك الكثير من المبرات الاخرى في هذه المحافظة او تلك، لكن ما نرجوه هو تكثيف العمل وتسريع التحرك على هذا الصعيد لأهميته وضرورته، بل وجعل هذا الامر على رأس اولوياتنا جميعا، خصوصا بعدما كشفت هيئة النزاهة مؤخرا عن وجود خمسة ملايين طفل عراقي يتيم حسب الإحصائيات الحكومية، إذ دعت الحكومة والبرلمان والجمعيات الاهلية إلى التواصل مع الطفل العراقي اليتيم.
يذكر أن لجنة المرأة والأسرة في مجلس النواب اقترحت في وقت سابق على البرلمان مشروع قانون لإنشاء صندوق رعاية الأيتام.
وخلال مؤتمر صحفي وفي كلمة لوزيرة حقوق الانسان وجدان سالم ميخائيل، قالت إن " ظاهرة اليتم واحدة من الظواهر السلبية التي تنامت بشكل كبير في السنوات الاخيرة بحكم عوامل الحروب المدمرة وتزايد العنف في البلاد الى مديات غير مسبوقة، مما أدى منطقيا الى تزايد الكم في أعداد الأرامل والأيتام مما يشكل عبئاً جديدا على المجتمع".
وأشارت إلى أن "معاناة الاطفال المحرومين من الجو الأسري تجسيد حي لإنتهاكات حقوق الاطفال في العيش بكرامة جديرة بطفولتهم" مضيفةً ان وزارتها " أعدت ورقة عمل لتشغيل الاطفال الايتام"ز
وقالت الوزيرة:" إن العراق طرف في الإتفاقية الدولية المتعلقة بحقوق الطفل منذ العام 1994، حيث الزمت هذة الاتفاقية الدول الاطراف بجملة من الأمور منها إيلاء المصلحة للطفل في جميع الإجراءات التي تتعلق بالأطفال سواء قامت بها مؤسسات الرعاية العامة والخاصة أو المحاكم أو السلطات الإدارية أو الهيئات التشريعية".
وتابعت " كما الزمت هذة الاتفاقية في مادتها (20) الدولة بضرورة حماية الإطفال المحرومين من البيئة العائلية".
وحتى لا يضيع الاطفال الايتام، لا ينبغي الاكتفاء برمي الكرة في ملعب الحكومة او اي جهة اخرى، لأن المسؤولية تشمل الجميع، وبنظرنا فإنها مسؤولية الانسان والمجتمع بكل مؤسساته الاهلية والحكومية على حد سواء.
وطالما ان الناس لا يتحركون فإنه لا يمكن انتظار الفرج من مؤسسات حكومية تعاني من الفساد والبيروقراطية وارث ثقيل من التراخي والكسل وبطئ الانجاز.