This site uses cookies for analytics and personalized content. By continuing to browse this site, you agree to this use.
We have updated our Privacy Notice, click here for more information Acknowledged

العراق بحاجة للعمل الخيري ولكن.. على صعيد نزع الالغام والمقذوفات
25/01/2008

 

اذا كان بلد مثل بريطانيا مستقر ومتقدم ويعتبر من الدول الغنية، نجد فيه حوالي 250,000 جمعية ومؤسسة خيرية، فكم هي حاجة العراق اذن الى الجمعيات الخيرية؟

في حين يعتبر الكثير منا ان العمل الخيري هو مجرد صدقات ينثرها على المشردين والفقراء او يضعها في صندوق الخيرات لاطعام المساكين، فإن المجتمعات المدنية المتقدمة انما تعده مجالا حيويا للنهوض الاجتماعي وبناء الحضارة، ولهذا فالعمل الخيري يتبلور في مؤسسات واعمال منظمة تفوق ميزانياتها وما تقدمه من خدمة وعطاء اي وزارة من الوزارات الحكومية

ولا يسعنا المجال هنا للشرح اكثر عن البنية الاساسية للعمل الخيري في بلد مثل بريطانيا سوى ان نشير الى ان عدد المتطوعين فيه يتجاوز العشرين مليون متطوع سنويا.

اذن العراق بحاجة الى ثقافة تؤسس لبنية اجتماعية هدفها تعميق وتأصيل مفاهيم العمل الخيري وتوسيع اطره وتعدد مجالاته لتغطي جميع مناح الحياة من رعاية الطفولة والايتام والمرأة الى بناء المساكن وتشغيل العاطلين ومرورا بمكافحة الالغام وتأهيل المعوقين وانتهاء بكل شيء آخر يحتاج اليه الناس المجتمع.

وفيما يلي نسلط الضوء على مقال كتبه السيد اياد عطية ونشر في موقع مؤسسة الذاكرة العراقية، يتناول موضوع نزع الالغام في العراق تحت عنوان:"لكنه سحب كبسولة الصاعق فتفجر اللغم واودى بحياته في الحال".

   لكنه سحب كبسولة الصاعق فانفجر اللغم واودى بحياته في الحال   

اياد عطية/مؤسسة الذاكرة العراقية

عثر علي على لغم كنا نلهو قرب اغنامنا، تجمعنا حوله واخذنا نلعب باللغم، ثم تركناه بيد رحيم وابتعدنا عنه، لكنه سحب كبسولة الصاعق فانفجر اللغم واودى بحياته في الحال.. في جلسة فصل عشائرية ادعت عائلة الطفل رحيم كامل (7 سنوات) الذي لقي حتفه بانفجار لغم ان عائلة الطفل علي حبيب (11 سنة) يجب ان تتحمل دية مقتل طفلها بزعم ان( علي) كان المتسبب في مقتل رحيم..

قال احدهم:
ان الذين زرعوا الارض بالالغام هم الذين يتحملون مسؤولية مقتل الطفل رحيم.. كما ان المسؤولية تقع الآن على عاتق الحكومة في انقاذ الناس من الالغام وخصوصاً اطفال القرى في المحافظات الحدودية الذين عادة ما يكونون ضحايا في ارض الالغام..
مشاهد مقتل الاطفال، او عوقهم تتكرر خاصة اطفال مربي الاغنام الذين يتنقلون الى مناطق العشب في موسمي الشتاء والربيع والذين يجهلون خطورة مثل هذه المناطق المزروعة بالالغام..
وفي بيان اصدرته الامم المتحدة بمناسبة اليوم العالمي للتوعية بمخاطر الالغام.. بينت المنظمة انه على مدى عقود من الحروب والصراعات الداخلية اصبح العراق مكسواً بالالغام الارضية والذخائر غير المنفجرة ونفايات الاسلحة الاخرى، واكد البيان ان 99% من ضحايا الالغام هم مدنيون وان غالبيتهم من الاطفال دون سنة 14 سنة..

مدن الجنوب وكردستان
وتشير تقارير اعدتها منظمات دولية ان غالبية الالغام الارضية مزروعة على شكل حقول عشوائية تتركز في مدن جنوب العراق وكوردستان وان اللغم المعروف (P. M. N) هو من اخطر انواع الالغام المزروعة والذي يتسبب بقتل او اعاقة من يلمسه.

ويقول الدكتور حيدر حسن طارش:
ان مئات الآلاف من الاطفال يمشون الآن على عكازات فالعديد منهم قطعت اطرافهم العليا او السفلى بسبب الالغام او الانفجارات والمفخخات، وان الطلب على الكراسي المتحركة والاطراف الصناعية يتزايد مع تزايد ضحايا الالغام والسيارات المفخخة واذا كان معظم الاطفال في الجنوب وكردستان هم من ضحايا الالغام فان اطفال بغداد هم ضحايا السيارات المفخخة والعبوات الناسفة.. ويقول روجر راتب الممثل الخاص للامم المتحدة في العراق: ان الاطفال اكثر عرضة للاصابة او الموت جراء الجروح الناجمة عن الذخائر المتفجرة من الكبار اذ ينجذب الاطفال الى المنظر الخارجي المتميز ذي الالوان البراقة لهذه الاجسام القاتلة موضحاً: ان معظم الاطفال يفقدون حياتهم قبل وصولهم الى المستشفى..
اما السيدة فاليورغا ممثلة الامم المتحدة لشؤون اللاجئين في العراق فأكدت: ان الموت بالالغام والعبوات والمفخخات يحاصر اطفال العراق.. وان العديد من المناطق السكنية في المدن المكتظة بالسكان تنتشر فيها الذخائر غير المنفجرة وفي الغالب فان الاطفال الذين يعودون الى منازلهم هم الاكثر عرضة للضرر لانهم على الاغلب غير مدركين لمخاطر اللعب والعبث بالالغام والمتفجرات.

آثار نفسية
على الرغم ان الالغام والمتفجرات والذخائر تؤدي الى كوارث بشرية وتفتك بارواح الناس الا ان آثارها تمتد الى الناجين منها خاصة الذين يتعرضوا الى اعاقة او جروح خطيرة تنتج عنها..
ويقول الدكتور جبار النصار اخصائي الامراض النفسية: ان الآثار التي تترتب على تعرض الاطفال لحوادث تفجيرات حتى وان نجوا منها تصيب جهازهم النفسي وتنعكس على شخصيتهم

وربما تصيبهم بامراض نفسية خطرة وانحرافات نفسية مدمرة. فالصدمة النفسية التي تعقب مثل هذه الحوادث تؤثر بشكل لافت على شخصية الانسان وبالاخص الاطفال منهم مما ينعكس على مجمل نشاطاتهم الحياتية..
وربما تخلق لديهم سلوكاً عدوانياً او احساساً بالاحباط واليأس خاصة الذين يتعرضون الى العوق او اصابات خطرة تشوه خلقتهم. ولهذا فان الاطفال الذين يعيشون ظروف الحروب والعنف والتفجيرات المستمرة تنعش في ذاكرتهم هذه الكوارث والاحداث وتنعكس بالتالي على شخصيتهم وتؤدي الى امراض نفسية وانحرافات شخصية خطرة وضغوط متنوعة لا حصر لها، ولذا فان هؤلاء الاطفال بحاجة الى رعاية صحية خاصة، من اجل التغلب على الصدمات والآثار التي سببتها لهم تلك الحوادث، وبالنسبة لاطفال العراق فاني استطيع ان اقول انهم يعانون من صدمة الحروب والاحداث التي مرت بهم وما زالت مستمرة، وعلى الرغم من عدم توفر احصائيات رسمية لدينا او دراسات متكاملة عن الامراض النفسية التي سببتها تلك الاحداث الا اني استطيع ان اشخص العديد من الامراض النفسية التي اطلعت عليها شخصياً واخطرها الانحرافات السلوكية والضغوط النفسية والكآبة الناتجة عن الاحساس بالضياع وفقدان الامل، والخوف الذي يتلبس ذاكرة الاطفال على هيئة اشباح تنتابهم وتشكل لهم كوابيس من الصعوبة التخلص من آثارها الا بتحسين بيئة الطفل ومعالجته نفسياً..

الظروف الامنية تعوق جهود مكافحة الالغام
تحتاج عملية ازالة الالغام في العراق الى جهود كبيرة وعمل مضن وامكانات كبيرة، والواقع ان بلداً مثل العراق يواجه اقسى هجمة ارهابية وما زالت مؤسساته في طور البناء والتكوين من الصعوبة ان يستطيع حل هذه المشكلة بمفرده او انه قادر على حلها الآن.. فمئات الضحايا الذين يتساقطون الآن بفعل العمليات الارهابية بالسيارات المفخخة والعبوات الناسفة، هم الذين يحتاجون الى حلول ومعالجة سريعة من الحكومة ومؤسسات الدولة.. وبات من الصعوبة على الحكومة العراقية توجيه جهودها الى مكافحة الالغام التي تطوق المدن الحدودية باستمرار معاناة السكان الآنية نتيجة استمرار اعمال العنف والعمليات الارهابية..فالمستشفيات العراقية تستقبل يومياً عشرات الضحايا نتيجة انفجار السيارات المفخخة والعبوات الناسفة، فيما تركز القوات الامنية جهودها على مكافحة الارهاب وانقاذ المدنيين من اخطار العبوات الناسفة..
ولهذا فان الجيش العراقي الحديث التكوين قد شكل وحدات لاتلاف الالغام.. ويقول النقيب قحطان من الكتبيبة (30) وحدة اتلاف الالغام.. بدأت وحدتنا بمجموعة صغيرة يديرها ستة ضباط وتضم حوالي 80 جندياً.. وقد اثبتت وحدتنا وجودها منذ الانتخابات الماضية والايام التي تلتها.. اذ قامت هذه الوحدة بعمليات كبيرة في ابطال الالغام وتفكيكها.

ويستدرك النقيب قحطان:
لكننا بحاجة الى المزيد من الخبرات والتدريب والتأهيل وبحاجة الى المزيد من الوحدات الهندسية المتخصصة في ابطال العبوات والمتفجرات، وتابع:
عندما يكتمل تسليح وحدتنا وتزويدها باحدث المعدات التكنولوجية في مجال مكافحة الالغام فان مهاماً كبيرة اخرى بانتظارنا.. لكن عملنا الآن ينحصر في ابطال العبوات والمتفجرات التي يستخدمها الارهابيون وتلحق اضرار مباشرة وفادحة بالمدنيين. ومن الصعوبة ان ينشغل جنودنا الآن بمهمات مكافحة الالغام المزروعة اثناء الحروب الماضية والمتوزعة في معظم المناطق الحدودية في الشمال والشرق والجنوب، فيما تواجه الآن حرب العبوات الناسفة التي نركز جهودنا لاكتشافها وابطالها وتقليل الخسائر في صفوف المدنيين التي تنجم عنها.

مساعدات دولية
يعيش العراقيون اليوم في بقعة تعتبر الاكثر حشداً للالغام الارضية والمتفجرات، وفي مسح قامت منظمات دولية تابعة للامم المتحدة شملت اثنتي عشرة محافظة شمل (11250) منطقة سكنية. ووفقاً لليونيسيف فان التقدم الذي حصل في تكنولوجيا الالغام جدد الامل بامكانية القضاء على هذه المتفجرات باسرع وقت..
وينفذ البرنامج الانمائي للامم المتحدة في العراق الآن مشروعاً طويل الامد للتخلص من الالغام

عن طريق تزويد الحكومة العراقية من خلال الهيئة الوطنية لمكافحة الالغام بالمستشارين والدعم المادي وتحريك المصادر من اجل مواجهة هذه المشكلة..
وتقول الامم المتحدة ان جهودها اسفرت حتى الآن عن تطهير ما يقارب 9.5 مليون متر مكعب من الاراضي واكثر من خمسة وعشرين الف قطعة من الذخائر. واصبح بالامكان استخدام هذه المساحة للاغراض الزراعية. اضافة الى ذلك تبذل منظمة اليونيسيف جهوداً كبيرة في تنظيم حملات اعلامية ودورات تدريبية وتوجيه المواطنين حول خطورة مخلفات المواد المتفجرة. وتقوم الشركة الدولية لتقنية الاعمال المتعلقة بالالغام ومجموعة ازالة الالغام الدنماركية بمهام مكافحة الالغام في العراق بتكليف من مكتب الامم المتحدة لخدمة المشاريع وقد توسع البرنامج ليشمل مناطق واسعة في الجنوب.
ولاهمية التوعية في هذا البرنامج فان منظمة (هانديكاب انترناشيونال) تقوم بحملة توعية بالتوازي مع حملة مكافحة الالغام. ويقول داميان فاليت رئيس عمليات المنظمة في العراق.. تقوم بتوزيع ملصقات ومنشورات على المدارس والمساجد والمستشفيات تحذر من خطورة الالغام والذخائر غير المنفجرة. وفي مسح قام به الجيش العراقي مؤخراً اكد وجود ما يقل عن 131 صاروخاً مبعثرة في العاصمة وحدها.. وان العديد من المواطنين يطالبون باستمرار وحدات الجيش العراقي بازالتها خشية من انفجارها بأية لحظة بفعل الحرارة.
وتبقى ازالة الالغام من بلد تعد ارضه الاكثر زراعة بالالغام بحاجة الى جهود غير عادية واجهزة وتقنية عالية للتخلص من الالغام.. وعندما يستطيع اطفال العراق الذهاب الى مدارسهم والعودة سالمين دون ان يخشى ذووهم الانفجارات والالغام.. سيكون العراق بذلك قد تخلص حقاً من كوارث الحروب وآثارها.

نقلا عن الموقع التالي:

http://www.iraqmemory.org/