اربيل - اصوات العراق
مع تحسن الأوضاع الأمنية والمعيشية في مدن إقليم كردستان بالأعوام الأخيرة، عادت العديد من العوائل الكردية بعد غربة سنين إلى وطنها، الا ان مشكلاتها مازالت قائمة بعد ان ترعرع صغارها في بلدان بعيدة في ثقافاتها وعاداتها ولغتها عن اهل كردستان. يقول دلشاد (42 عاما) الذي عاد إلى الوطن منذ ستة أشهر، للوكالة المستقلة للأنباء (أصوات العراق) "لقد اخترنا العودة إلى وطننا لشعورنا بالأسى والغربة في تلك البلدان التي اعتبرنا فيها أجانب، لذلك قررنا أن نؤمن حياة أفضل لأبنائنا في بلدنا، ولكن للأسف حتى في وطننا لقب أبناءنا بنفس اللقب (الأجانب) وكأننا لسنا من أبناء أرض كردستان".
ويواجه الكثير من ابناء هذه العوائل مشاكل في التحدث باللغتين الكردية والعربية اللتين تعتمدان بالدراسة في الإقليم، فبعضهم يجيد التحدث ولا يجيد الكتابة، وهذا ما دفع إدارات بعض المدارس النموذجية أو الخاصة لفتح صفوف خاصة لهم يتعلمون فيها اللغة الانجليزية والعربية فضلا عن لغتهم الأم.
وتقول ديمن (32 سنة) وهي مدرسة للغة العربية في إحدى المدارس في اربيل عاصمة اقليم كردستان إن "قرار فتح هذه الصفوف جاء ناقصا وغير متكامل، فوزارة التربية أمرت بإفتتاح صف تمهيدي لهؤلاء الطلبة دون أن تمتلك حتى الآن أية فكرة عن المواد الواجب تدريسها في هذه الصفوف، وأنا عن نفسي أعتمد على منهج وضعته بنفسي وأحاول من خلاله تعليمهم اللغة". ويواجه زانا (16 عاما) وهو طالب ثانوي مشاكل في تعلم اللغتين الكردية والعربية في آن واحد، ويقول إن "حروف اللغتين العربية والكردية متشابهة وهي في نفس الوقت مختلفة، ولذلك فهي صعبة التمييز بالنسبة للدارسين بلغة أجنبية".
وبينما يجتمع في ذلك الصف طلبة بأعمار ومستويات دراسية مختلفة من الصبيان والفتيات، إلا أنهم يتمتعون بعلاقات جيدة فيما بينهم ويقضون معظم الأوقات سويا، وخاصة لاشتراكهم في التحدث بنفس اللغة الأجنبية في أغلب الأحيان.
وقالت دنيا (20 عاما) وولدت وترعرعت في هولندا وعادت مع عائلتها إلى كردستان منذ نحو عامين لـ(أصوات العراق) "لقد تم قبولي بكلية الطب في هولندا بعد بذلي جهودا كبيرة لتحقيق حلمي، ولكن والدي قرر في بداية الصيف الماضي العودة إلى كردستان في سفرة طويلة الأمد، وضاعت بذلك كل سنوات دراستي بسبب اختلاف اللغة، وها أنا الآن أدرس في مدرسة إعدادية لكي أتعلم لغتي الأم ولا أعرف ما سيؤول أليه مصيري".
أما تارا (19عاما) وولدت وعاشت في هولندا، ولكنها عادت مع أهلها إلى مدينة أربيل عاصمة إقليم كردستان فتواجه بدورها مشاكل اكبر من التي ذكرت آنفا وقالت إن "أصعب ما أواجهه هنا هو أحكام المجتمع الكردي الذي أشعر بأنه يعتبرني فتاة سيئة دون أي سبب، وفي كثير من الأحيان لا يتردد الناس في تلفيق التهم لإلصاقها بي، وأواجه يوميا صعوبة كبيرة مع المدرسين والطلبة وحتى أهلي، وأشعر بأن تصرفاتهم تغيرت منذ عودتنا من الخارج".
ولكن هيفي (16عاما) وولدت وعاشت في النرويج كان لها رأي آخر، وقالت "صحيح أنني لم أولد في كردستان، ولكن قلبي دائما كان في كردستان، وكان والديّ يتحدثان عنها وهو ما جعلني احلم بالعودة، وبالرغم من بعض الصعوبات إلا إنني سعيدة في بلدي وأتعلم بسرعة، ولا انفي إشتياقي إلى صديقاتي السابقات في بعض الأحيان".
وتقول الباحثة الاجتماعية المسؤولة عن هؤلاء الطلبة أن "أكثر المشاكل التي تواجههم هنا القوانين المتعلقة بالمدرسة والمختلفة كليا عن البلدان التي عاشوا فيها."
وتضيف ان "قوانينا مثل التقيد بالزيّ الموحد ومنع التزيين وتناول الطعام في الصفوف لايعرفها هؤلاء الطلبة
الذين تربوا في مدارس لاتتقيد بهذه القوانين."
ومن جانب آخر، كما تقول الباحثة الاجتماعية، "الحرية التي كانوا يتمتعون بها هناك ينظر إليها هنا كنوع من التسيب، وأحيانا يتعرضون لإهانات من قبل المدرسين، الأمر الذي يؤدي في كثير من الأحيان إلى خلق سوء تفاهم بين الطالب والتدريسي".