يقيم هادي شاكر حمادي مع نحو 70 عائلة أخرى من النازحين، في إحدى مقرات الجيش العراقي السابق في منطقة الكرادة والتي لم يُبق اللصوص شيئا من محتوياتها عندما قاموا بعمليات النهب المعروفة في بغداد عام 2003.
يقول حمادي في حديث مع مراسل مجلة "تايم" الأميركية نشرته ضمن تقرير لها في عددها الأخير، إنه لا أحد يقدم لهم أي نوع من أنواع المساعدة سوى مديحة التي تزورهم باستمرار.
وحمادي يقصد "مديحة حسن الموسوي" البالغة من العمر 37 عاما والتي بدأ أهالي المدينة يطلقون عليها لقب "الأم تيريزا البغدادية" بعد أن قامت بتكريس جهودها خلال الأعوام الأخيرة لتقديم ما يمكنها من العون للعائلات النازحة إلى العاصمة وخاصة منطقة الكرادة.
وتقوم وحدات الجيش العراقي في المنطقة بمساعدتها في عملية توزيع المعونات مثل الرز والشاي والسكر وزيت الطعام والبطانيات التي تقوم بتسلمها من جهات غير حكومية، مثل الهلال الأحمر والصليب الأحمر ومنظمة غوثٍ عراقية تعرف باسم "أيادي الرحمة".
وماعدا هذه المساعدة اللوجستية من القوات الأمنية، فإن مديحة لا تتلقى أي عون من الجهات الحكومية.
وتقول مديحة التي ترتدي قلادة ذهبية على شكل خريطة العراق، إنها تلقت رسالتي تهديد بسبب نشاطها الإنساني ولكنها تؤكد أنها لن تتوقف عن مساعدة هذه العائلات حتى لو كلفها الأمر حياتها.
ومع أن مديحة شيعية مثل غالبية أهالي الكرادة، إلا أنها تصف نفسها لمراسل "تايم" بالمواطنة العلمانية غير الطائفية والعراقية قبل أي شيء آخر.
وتشير مديحة إلى أنها قررت وضع حياتها في خدمة الآخرين ولن تتخلى عن هذا الهدف، وللتدليل على جديتها تشير إلى 12 غرزة في جبينها، تقول إنها جاءت بعد أن اقتحم خمسة لصوص بيتها عشية دخول القوات الأميركية إلى بغداد.
وقام اللصوص بالضغط عليها لإرشادهم إلى المكان الذي تخبئ فيه أموالها، ولكن مديحة نجحت في إخراج زوجها وطفليها خارج غرفة النوم، وواجهت اللصوص وحدها واستطاعت رفع القناع عن أوجه ثلاثة منهم، قبل أن يتمكنوا من جرها من شعرها وضربها بأخمص المسدس على وجهها.
وتتذكر مديحة كيف غمرتها الدماء، ولكن اللصوص غادروا في النهاية بدون أن يتمكنوا من أخذ أي شيء معهم، ما جعلها تتحول إلى أسطورة في الحي الذي تعيش فيه.
وهكذا طالبها الأهالي بترشيح نفسها لأخذ مقعد في المجلس البلدي لمنطقة الكرادة، ومنذ ذلك الوقت تقوم بممارسة عملها انطلاقا من هذا المنصب لمساعدة أهالي المنطقة.
ويقيم نحو 30 ألف نازح في منطقة الكرادة، وهم مثلهم مثل مليوني عراقي لا يتلقون سوى مساعدات حكومية بسيطة، في غياب أي وجود للمنظمت الإنسانية الدولية داخل العراق.
وتقدر منظمة الهجرة العالمية عدد النازحين الذين لا يتلقون الحصة التموينية الحكومية بنحو 80 في المئة، وهذا يعني أن مئات الآف العائلات مثلها مثل عائلة هادي شاكر حمادي عليهم الاعتماد على مواردهم الذاتية للبقاء على قيد الحياة.
وحمادي مزارع شيعي اضطر للنزوح من سامراء قبل أربع سنوات عندما بدأ يتلقى تهديدات بالقتل من الجماعات المسلحة، وبعد ان قُتل العديد من جيرانه، قرر أن يصطحب زوجته وأطفاله السبعة إلى بغداد، التي لم يجد فيها ملجأ غير هذا الذي يقيمون فيه حاليا.
ولكن مديحة قررت مساعدة هذه العائلات بطريقة تمكنها من مساعدة نفسها بدلا من الاعتماد الدائم على الآخرين، فقامت بتزويدهم ب 60 ماكنة خياطة، وصلتها من هبات خيرية، ومن خلالها أنشأت ورش عمل صغيرة تعمل فيها الآن 100 امرأة.
ومديحة واثقة من نجاح مشروعها في الكرادة مثلما نجحت هي خلال سنوات الحصار الاقتصادي في افتتاح محل صغير للخياطة لا يوجد فيه سوى ثلاث مكائن اشترتها بمدخراتها الخاصة، وعندما توسع نشاطها استعانت بامرأتين لمساعدتها على تلبية طلبات الزبائن.
وافتتحت مديحة مشروعها الجديد الشهر الماضي واستطاعت من خلاله الحصول على عقد من وزارة الصحة لتزويدها بملابس الأطباء والممرضات وأغطية لسرائر المرضى، وتعمل الآن للحصول على عقد جديد من الحكومة لخياطة 1000 علم عراقي جديد.
الأم تيريزا البغدادية-الصورة من مجلة "تايم" الأميركية