This site uses cookies for analytics and personalized content. By continuing to browse this site, you agree to this use.
We have updated our Privacy Notice, click here for more information Acknowledged

أطفال يعيلون أسرهم من مكب للنفايات
11/01/2007

قبل بزوغ فجر جديد ومنذ اللحظات الاولى للصباح تنطلق قوافلهم باتجاه الشمس يحملون على اكتافهم هموم زمن لايرحم ليس لمهنتهم من أدواة سوى اكفهم التي مزقتها وتقرحت من كثرة الاصابات بالجروح

 تعودوا على استنشاق دخان الحرائق حتى امتلأت رئاتهم واغلقت جفونهم حالات الرمد، لا يعرفون عطر الورد لانهم لا يتجولون في حدائق العراق او متنزهات المدن وانما هم جيعا لهم مكان واحد وهدف واحد يحطون رحالهم فيه لانهم رفضوا التسول والتجأوا اليه، انه مكب النفايات واماكن تجميعها، صارت مهنتهم التي يمتهنون، اخترقنا عالمهم وتصفحنا اوراقهم، دعونا نفتحها امامكم وامام الحكومة الجديدة لننتظر ماذا سيفعلون؟.
ماذا تستفيدون من النفايات؟
سألتهم جميعا عن سبب امتهانهم لهذه المهنة التي تحمل لهم الامراض وعن سبب عدم مزاولة عمل آخر يكون ارحم من مكب النفايات، ضحكوا جميعا واحسست انها ضحكات باردة تحمل في طياتها الكثير من العبارات والمعاني، صدقا قد احرجوني لان ردهم كان مبطناً وفيه الكثير من السخرية، وفهمت من ضحكاتهم انهم يردون عليّ السؤال بسؤال اي عمل متوفر واي فرصة عمل لنا توفرت ولم نزاولها؟ وبعد الضحكات كان رجلا مسناً يقف بعيدا عني رد علي بعبارة شعبية حيث قال:” شجابك على المر غير الامر منه “ فهمت بعدها الى اي مدى وصلت معاناة هؤلاء والى اي حد قد طفح الكيل بهم وعدت من جديد معهم ماذا تأخذون من النفايات؟ اجابوني نحن نجمع علب المشروبات الغازية الفارغة والعصائر وبقايا الاسلاك الكهربائية المستخدمة وبعض قطع الاثاث البلاستيكية التي تستغني عنها العوائل لانها تنكسر ولا يمكن اصلاحها واعادة لحامها لذلك ترمى في النفايات وعلب المياه البلاستيكية الشفافة وقناني المشروبات عامة وصفائح الزيوت واغطية القناني واغطية العلب البلاستيكية والاحذية والعدد اليدوية من المواد الانشائية والقطع الالكترونية من الراديوات والتلفاز التي يتم رميها ولكنها نادرا ما توجد وبعضنا لا يأخذها لانها لم تعد ذات اهمية وهناك مكانات نجد فيها اشياء اخرى لان المواقع تعتمد على نوع المكان والمنطقة والحالة المعاشية لسكان تلك المنطقة، فالمناطق الراقية في بغداد مثلا تكون النفايات فيها غير المناطق الشعبية التي تسكنها طبقات فقيرة من المجتمع، حيث نجد في تلك المناطق الكثير من الاشياء التي يمكن الاستفادة منها وحتى الملابس وادوات المطبخ وغيرها من المواد.
محلات مخصصة للنفايات
علي محمد يبلغ من العمر 14 سنة ترك المدرسة بعد استشهاد والده يعيل عائلة متكونة من سبعة افراد يسكنون اطراف بغداد يأتي راجلا يحمل كيساً لجمع النفايات سألته اين تذهب بهذه الحمولة ولمن تبيعها؟ قال: هناك محلات متوزعة في بعض المناطق يتم فيها تصنيف النفايات ومن ثم شراؤها بعد ان تتم عملية تحديد وزنها وتباع بالكيلو ولكل مادة سعر محدد ومعلوم، حيث يتم بيع علب البييسي والمشروبات الغازية حسب سمك العلبة، فالعلب الرقيقة تباع بسعر قليل لانها تذوب بسرعة وتكون مادة الالمنيوم فيها قليلة فسعر الكيلوا غرام (500) دينار فقط اما العلب السميكة فيكون سعر الكيلو غرام من(1000- 1500) دينار، اما المواد البلاستيكية كالكراسي والطاولات وغيرها وصناديق الخضروات فسعرها يكون اقل، حيث يصل سعر الكيلو بين 250- 350 دينار فقط، ويبقى سعر الاسلاك الكهربائية النحاسية اكثر من باقي المواد اما قناني المياه والمشروبات الغازية الشفافة فسعرها اعلى لانها تعتبر مادة اساسية في صناعة الحبيبات انها مادة خام حيث لم يتم اضافة اي مواد اخرى معها في التصنيع لذلك يكون سعرها مناسبا اكثر من غيرها من المواد والخلاصة هي سعر المواد الالمنيوم او”الفافون “ من(500- 1500) والبلاستك من(250- 350) والصفر والنحاس من(1500- 2000) اما البلاستك فمعدل سعر الكيلو من (250- 500).
الحيوانات والعربات
فاضل جاسم احد اصحاب محلات جمع العتيق وشرائه وجدت في باب محله اكوام من الاسلاك التالفة والكراسي المحطمة وصناديق الخضروات واوان منزلية مصنوعة من الالمنيوم قال لي: نحن الان بصدد جمع المواد ومن ثم نحملها وايصالها الى مكان اخر حيث تجرى عليها عملية الصهر وتسمى”الكور “ وفيها يتم صهر جميع انواع المواد وحسب نوعها فهناك”كور “ للمواد البلاستيكية واخرى للمواد المعدنية بعد عملية الصهر يتم جمع المواد المنصهرة وتحويلها الى سبائك بأشكال هندسية مربعة او مستطيلة وبالتالي بيعها الى اصحاب المعامل باعتبارها مواد اولية في صناعتهم وكان معه في المحل احد هؤلاء الذين امتهنوا هذه المهنة سألته لماذا اكثرهم يتنقلون راجلا دون الاستعانة بوسيلة نقل فأجاب.
عدم قدرتنا على شراء ابسطها وهي الحيوانات حيث اصبح سعرها مرتفعاً جدا ولكن هناك طريقة اخرى تم ابتكارها في هذه المهنة حيث يتجمع اكثر من شخص ونتفق مع شاحنة صغيرة على موعد محدد ويتم تحديد المكان الذي نتجمع فيه بعد قضاء يوم من التجوال والتحري والجمع للنفايات وبعدها نقوم بتحميل هذه المواد والعودة بها الى محل معين لغرض بيعها اما تجوالنا في الازقة والمناطق فيكون راجلا ايضا.
عوائل تمارس نفس المهنة
على حدود مدينة بغداد وفي اطرافها يتم جمع نفايات المناطق السكنية من قبل دوائر امانة بغداد لغرض حرقها لذلك اصبحت هذه المنطقة مصدراً مهماً للحصول على مصدر للرزق منها وجدنا الكثير من النساء والرجال والاطفال يبحثون في اكوام النفايات وكأنها عملية تسوق بعضهم يستخدم العصي لتقلب النفايات والبعض الاخر نجده يقلب النفايات بيديه دون الاستعانة بشيء ما كالكفوف او اي مادة عازلة لذلك تجد يديه عبارة عن جروح وتقرحات لا يمحوها هذا الزمن البائس.
أجساد بشرية مقطعة
قال لي احدهم لقد تعودنا على العثور على اجساد بشرية منها مذبوح ومنها من اصيب بطلق ناري ومنها من قطعت اوصاله مرمي مع النفايات او تحت انقاضها هذه هي حياتنا ورغم نظرات الاستخفاف من بعض الاشخاص ورغم ان الكثير منهم يتجنبوننا حتى في الجلوس في باصات النقل لم نكن بعيدين عن الاستهداف والقتل العشوائي والطائفي، فراح منا الكثير نتيجة الاعمال الارهابية والانفجارات، حلمنا بالعراق الجديد فصحونا على سراب النهار.
الدولة ومعاناتكم
نحن ابناء هذا البلد دفعنا الثمن الكثير كنا سابقا تحت ركام الظلم والجبروت والتعسف الفكري للنظام السابق لم يشعر او يحس بنا احد كنا جميعا ننتظر هذا اليوم الذي نجد انفسنا نعيش بكرامة العراقيين ويأتي يوم جديد نجد من يجمع نفاياتنا كل هذه الامال تبددت وذهبت ادراج الريح حيث لم توفر لنا الحكومة فرص عمل افضل ولم يتم التنويه عن اوضاعنا ونحن هنا تجد منا عوائل حيث تقوم عائلة بكامل افرادها بممارسة هذه المهنة لاجل توفير اكبر عدد ممكن من المواد وبالتالي العودة بدنانير قليلة لسد رمق العائلة وللعلم ان الكثير منا يتعرض للاصابة بانواع الامراض منها جلدية وباطنية حتى الحال انه اصبحت لدى البعض منا مناعة ضد الامراض لكثرتها، على الدولة ووزارة العمل والشؤون الاجتماعية الالتفات لهذه الحالة ومعالجتها والنظر الينا بعين الاعتبار فكرامتنا فوق كل شيء والدليل اننا رفضنا التسول وقبلنا العمل بهذه المهنة لانها مصدر للرزق الشريف ونتاجها من جهدنا وبأيدينا فلم نمدها للتسول ولكن امتدت الى النفايات لتكون يداً عاملة لا متسولة تلك اليد التي انتخبت العراق ودافعت عن ارضه وسيادته هل ترضى الحكومة العراقية الجديدة ان تلوثها نفايات هذا الزمن المر، ليس بأيدينا حل، ولكن الحلول بأيديهم وخلف كراسيهم تجد الحلول والخلاص.
وبدورنا طرحنا موضوع عمال النفايات على الباحث الاجتماعي في وزارة العمل والشؤون الاجتماعية الاستاذ ولي الخفاجي حيث رد قائلا: نحن كوزارة هناك قانون للعمال يحدد السن القانوني للعمال اما بالنسبة للاطفال الذين لا يتجاوز عمرهم عن 15 سنة فلا يجوز تركهم لهكذا حال، وانما اوجدت الوزارة حلولا لهم وتكون الحلول على شقين.
الشق الاول ان الاطفال الذين ليس لديهم عوائل يدخلون ضمن عمالة الاطفال يودعون في دور رعاية الدولة وتشملهم دورات تأهيلية وتعليمية لحين بلوغهم السن القانوني ومن ثم ايجاد فرص عمل لهم، الشق الثاني الاطفال الذين لهم عائلات فتم شملهم وعوائلهم ضمن قانون شبكة الحماية الاجتماعية واضافة مخصصات لابنائهم الطلبة الذين يحتاجون الى مصاريف دراسية اخرى والغاية الحفاظ على اطفالنا وضمان حقوقهم في حياة حرة كريمة.

  سلام الجنابي

نقلا عن جريدة الصباح العراقية بتصرف