بغداد - بشير خزعل- الصباح
تركت الحروب الداخلية والخارجية التي خاضها النظام السابق الكثير من الجروح النازفة والعميقة في صميم المجتمع العراقي.. ومن بين تلك الجروح وتداعياتها، تزايد اعداد المعاقين في ارجاء العراقعلى الرغم من عدم وجود احصائية رسمية تبين اعدادهم الحقيقيةالا ان الواقع يشير الى انهم يمثلون شريحة كبيرة في المجتمع وبسبب اهمال المؤسسات التي كانوا يعملون فيها قبل الاعاقة، ولعدم وجود من يرعاهم في الاسرة، اصبحت معاناتهم كبيرة، لابل ان الغالبية العظمى منهم من يعيل عائلته، ممتهنين اعمالاً كثيرة، اغلبها لا تتلاءم ووضعهم الصحي والبدني كمعاقين باعاقات شديدة، لاسيما من فقدوا اطرافهم السفلى ولاتتوفر لهم الكراسي المطلوبة، ويتحركون زحفاً على الارض، ومنظرهم العام يجسد مأساتهم، حيث يرتدي اغلبهم ملابس رثة واجسامهم نحيفة ووجوههم شاحبة.
لم يعف العوق حميد كاظم من مسؤوليات الحياة الصعبة تجاه افراد اسرته، خمسة اطفال وامهم يعتاشون على مايحصل عليه من كد يوم كامل يجوب فيه (علوة جميلة) بعربته الصغيرة، وقدم مصنوعة من الخشب، اذ لم يستطع الحصول على طرف صناعي من مصنع الاطراف الصناعية منذ اكثر من ثلاث سنوات رغم مراجعته المستمرة.
قدم من خشب
عدم حصولي على طرف صناعي كما يقول (كاظم) هذا الامر اضطرني الى ان اصنع قدماً من خشب عند احد النجارين بعد ان استهلك طرفي الصناعي من جرار استخدامه في عملي اليومي وهو غير مخصص لذلك، وقدمي الخشبية اضافة الى اضرارها الصحية فهي تضعني في مواقف محرجة واخرها عندما (علقت) في احدى فتحات المجاري الصغيرة وانا ادفع عربتي المحملة بالمواد الغذائية، وعندما حاول بعض المتجمهرين مساعدتي وسط ضحكات الكثيرين منهم، كسرت فدمي الخشبية وبقيت معلقاً في الهواء اتكىء على ذراع العربة.
اختصاص الطبيب غير مهم
عند دخولنا الى مركز الغدير لتأهيل المعاقين في مدينة الصدر، لفت انتباهنا عدم وجود حركة ومراجعة من قبل المرضى والمصابين، اذ بدا المركز خالياً الاّ من بعض العاملين فيه.
عبد الوهاب احمد ثجيل يعمل طبيباً في المركز بالرغم من انه يحمل اختصاصاً في الانف والاذن والحنجرة ولانعرف ماعلاقة هذا الاختصاص بامراض المفاصل ثجيل حدثنا عن عمله في المركز قائلاً:
ـ المركز تأهيلي من واجباته تدريب وتأهيل المعاقين من خلال الورش والاقسام التي كانت موجودة فيه، بالاضافة الى دوره في معالجة المعاقين، وعمل العلاج الطبيعي لهم وتزويدهم (بالمعينات) (العكازات) ومقاعد التقرحات، وفراش المشلولين، اما الاطراف الصناعية فنحن نحيل المعاق بكتاب الى مستشفى (ابن القف) وهو الذي يقرر نوع الطرف الذي يزود به المعاق، ودورنا في الدرجة الاولى هو علاج تأهيلي.
* الا تجد من الغريب ان تعمل في غير اختصاصك؟
ـ هذا صحيح والمشكلة لايوجد لدينا اطباء متخصصون في المفاصل، وقد كتبنا اكثر من مرة بشأن هذا الموضوع الى صحة الرصافة، وجوابهم هو (لايوجد لدينا اطباء وسنرسل لكم حال توفرهم)، المفروض ان يكون هناك في الاقل اثنان من الاطباء الاختصاصيين في مجال المفاصل او اختصاصي وطبيب ممارسمفاصل، وطبيب اشعة، ومختبر، اضافة الى الاختصاصات الاخرى التي يحتاجها المعاق وعائلته، وانا افضل ان امارس اختصاصي في مستشفى آخر افضل من الجلوس هنا، على اني الطبيب الوحيد الذي ادير عمل المركز، فالمدير مشغول بقضايا ادارية ولديه ارتباط باللجان الطبية.
طبيبان لأربعة آلاف معاق!
ـ وحدد مدير مركز الغدير لتأهيل المعاقين الدكتور علي اشرف صادق (جراح اختصاصي) مشكلتين رئيستين تحدان من تقديم الخدمات من قبل المركز للمعاقين الذين يترواح عددهم بين ثلاثة الاف الى اربعة الاف معاق، الاولى عدم وجود اطباء اختصاصيين بالمفاصل، والثانية هي عدم توفر الطاقة الكهربائية التي بدونها يكون المركز مشلولاً تماماً، اذ تكون جميع الاجهزة متوقفة، وكذلك التدفئة والتبريد المهمتين بالنسبة للمعاق الذي يضطر لخلع كامل ملابسه في عملية العلاج الطبيعي والقاعة باردة جداً في فصل الشتاء، وعلى الرغم من قيامنا بنصب اجهزة التدفئة والتبريد وحصولنا على موافقة دائرة صحة بغداد، لكي يتم ربط كهرباء المركز على (الخط الساخن) اسوة ببقية المستشفيات، الا اننا لم نلق اي تعاون من دائرة الكهرباء الوطنية، وحجتهم الوحيدة، وجود عوائل قرب المركز قد تقوم باستخدام هذا الخط للحصول على الطاقة الكهربائية.
مركز بغداد لصناعة الاطراف
مدير المركز والطبيب الاختصاصي الوحيد فيه، امجد احمد حسن تحدث بموضوعية عن المشاكل التي تواجه الشخص المعاق، والفني المختص بصناعة الطرف ومايواجه الطرفان من مشاكل تعيق انسيابية العمل وتقديم الخدمات اذ يقول:
ـ بالاضافة الى الجانب الطبي التأهيلي الذي يشخص المريض، فالمصنع يحتاج الى مكائن وعمال ومواد لينتج، الجانب التأهيلي لدينا نستطيع ان نقول جيد نوعاً ما، الاجهزة والمكائن موجودة، لكن لدينا نقص كبير في المواد، ونقص كبير في الملاك الفني يصل الى اكثر من النصف، ورغم ذلك لدينا انتاج لكنه قليل جداً، مما يؤدي الى اتساع الفترة الزمنية للانتظار من قبل المعاق، فالشخص المبتور طرفه سواء الساق او اليد، يظل يراجع المركز لانه بحاجة مستمرة للطرف، ولدينا معاقون يراجعوننا منذ الثمانينيات وحتى هذه اللحظة، لان العمر الافتراضي لاي (طرف) من سنتين الى ثلاث سنوات يستهلك بعدها ويجب استبداله ، اذن فالعدد في هذه الحالة يزداد ولاتوجد نسبة تكافؤ من حيث هذه الزيادة في عدد الفنيين.
وتابع احمد: قبل سنتين جاءني فيها فنيون من المتخرجين الجدد وعددهم اثنان فقط وهم بحاجة الى الخبرة من خلال العمل، لتنعكس على جودة ونوعية الانتاج، وبعدها لم يات احد، ولااعرف اين يذهب المتخرجون من المعهد التقني الفني وهو المصدر الوحيد للمتخصصين في هذا المجال، نحن نواجه مشكلة كبيرة بهذا الخصوص، اذ يجب ان نعطي حاجة المصنع من المتخصصين فدور المركز مهم جداً في المجتمع لانه يحول الانسان المقعد على كرسي الى انسان قادر على الحركة والعمل، ولدينا الان معاق يعمل حمالاً بعد ان وضعنا له طرفاً صناعياً.
* كم هي المدة التي ينتظر فيها المعاق فرصة الحصول على طرف صناعي؟
ـ قد تطول لعدة اشهر فالعملية ليست بالسهولة التي يتصورها البعض، اذ نقوم في الموعد الاول باخذ القالب، وفي المرة الثانية يتم فحصه، وهذه العملية تستغرق لوحدها من شهرين الى ثلاثة وفي الموعد الثالث يتم التسليم حسب التسلسل في موعد التسجيل الذي يستغرق ايضاً فترة معينة، وهذه المشكلة تزداد مع مرور الوقت، لاننا يجب ان نزود القدماء بالاضافة الى الاصابات الجديدة.
الورش الأهلية
* وبخصوص الورش الاهلية التي تصنع الاطراف وتبيعها باسعار غالية الثمن، من دون معرفة مدى مطابقة انتاجها للمواصفات، ومصدر حصولها على المواد الاولية اضاف مدير المركز:
ـ انا اسمع ان هناك ورشاً فنية يعمل فيها بعض الفنيين، وهذا قطاع خاص حاله حال أية مهنة اخرى، واتوقع ان من يدير هذه المعامل هم فنيون ربما تركوا العمل في مؤسسات الدولة واخذوا يعملون لحسابهم الخاص، وبعض المراجعين بسبب طول الانتظار اخذوا يترددون عليها، ولكن ليس الجميع، بل المتمكن مادياً، وهذا الامر يحز في نفسي لان واجبنا وواجب الدولة ان نقدم الخدمة لهذه الشريحة المتعبة.
مقترحات:
واعتقد اننا لو اردنا تفعيل دور هذه المؤسسة الصحية فيجب الاهتمام بالملاك الفني، فعملية الانتاج مقرونة به، واقترحنا ان تكون هناك حوافز ومخصصات خطورة للعاملين في هذا المجال، لاسيما وانهم يتعرضون للمواد الكيمياوية السامة وساعات العمل المضنية في المعمل، اذ لايجوز مقارنة هذا الفني باي موظف يعمل في أية عيادة شعبية او مركز صحي والاثنان يحصلان على نفس الراتب، اضافة الى تفعيل دور المعهد التقني الفني من خلال فتح دورات خارج البلد للمتخرجين واستقطاب طلبة الدراسة الاعدادية من ذوي المعدلات العالية للدراسة على نفقة الدولة في الخارج لكي نحصل على كادر فني بمستوى عالمي، فالمعهد حالياً اغلب طلابه هم جاؤوا عن طريق القبول المركزي وبمجرد تخرجهم ترى اغلبهم ينصرفون الى اعمال اخرى، وبذلك تذهب جهود سنوات الدراسة هدراً، وتعاني في نفس الوقت المؤسسات الانتاجية من النقص في كوادرها، والضعف في انتاجها.
الرقم الحقيقي لعدد المعاقين
في قسم التأهيل والوقاية من العوق في وزارة الصحة لم نجد لديهم احصائية دقيقة عن عدد المعاقين في البلاد، فهم مازالوا يعملون على اتخاذ الاجراءات وايجاد الالية المناسبة لحصر هذا العدد، لاسيما بعد ازدياده بسبب التفجيرات والاعمال الارهابية، الطبيب المسؤول في هذا القسم قال:
ـ لدينا في بغداد ثلاثة مصانع للاطراف، بالاضافة الى المصانع الموجودة في المحافظات والمشكلة التي تواجه هذه المصانع بصورة عامة هي قلة الملاك وشحة المواد الاولية الداخلة في هذه الصناعة، فهي كانت تأتي قبل العام 2003 عن طريق العقود، ونحن نحاول تسريع عملية وصول هذه المواد من الشركات الرصينة.
* المصانع التي ذكرتها ماهي نسبة انتاجها؟
ـ هي تعمل، لكن انتاجها قليل ولايسد الطلب المتزايد عليها، ووجود ثلاثة او اربعة فنيين متخصصين في كل معمل عملية مربكة وتتسبب في تاخير حصول المعاق على الطرف الذي تمر صناعته بمراحل تتطلب وجود فريق فني متكامل في كل معمل للحد من مشكلة النقص في الانتاج.
وزارة حقوق الإنسان
قبل عام وفي لقاء تشاوري نظمته الوزارة طالب المشاركون في هذا اللقاء بتشكيل (مركز لرصد حقوق المعاقين في العراق) يضم منظمات غير حكومية، وناشطين، وجهات حكومية، تتمتع بعضوية استشارية، ويختص المركز بعمليات المراقبة والرصد للانتهاكات التي يتعرض اليها المعاقون وحقوقهم القانونية، ودعوا الى استحداث هيئة عليا لرعاية المعاقين، اذ ان مهمة حماية حقوق هذه الشريحة تعد واجباً وطنياً وانسانياً مقدساً بهدف مساعدتهم على التغلب ومواجهة مصاعب الحياة اليومية وتوفير متطلبات العيش الكريم لهم.. بيد اننا لم نلمس متابعة لهذا المطلب المشروع من قبل من يعنيهم الامر، والى اليوم لايعرف احد هل تحقق ام لا... وهل يتابعه احد ام ظل حبراً على ورق؟.