وليد عبد الامير
يكاد يتفق معظم علماء علم النفس وعلماء علم الاجتماع، على ان المرأة اذا ما احبت شي ما، فانها تخلص له اكثر من الرجل، وانها اذا ما احبت عملها حبا حقيقيا، فانها تبدع فيه اكثر من الرجل، وان كل من عمل في مؤسسات الدولة والقطاعين المختلط والخاص في العراق، لاحظ بروز سيدات تبوأن مناصب هامة كن يدرنها بكل كفاءة واخلاص ونزاهة، لذلك شاع في هذه الاوساط وصف هكذا حالة للمرأة بانها (تعادل الف رجل) .
بعد ولوج المرأة الى عالم منظمات المجتمع المدني، والمبرات خصوصا، لوحظ بأن المبرات التي تشرف على ادارتها عناصر نسوية، تؤدي مهامها عموما افضل من تلك التي يشرف على ادارتها الذكور، وذلك للسبب الذي ذكرناه، بالاضافة الى ان المراة في المجتمعات المحافظة تستطيع التحرك افضل من الرجل، وذلك لقدرتها في دخول البيوت والالتقاء بالنسوة اللواتي صرن يدرن امور المنازل، بعد ان استشهد او قتل ازواجهن بفعل وسائل القتل الكثيرة المتاحة في العراق، لذلك نجد ان لديهن معلومات كثيرة ودقيقة عن الحالة المعاشية للعوائل وصرن المرجع الذي لابد من الرجوع له عن طلب التقصي الحقيقي عن المستور، بالاضافة الى كثرة المناسبات الدينية والاجتماعية التي يتميز بها المجتمع العراقي من احياء ذكرى ائمة اهل البيت (عليهم السلام) ومن مناسبات عاشوراء، وكذلك المآتم التي تقام على مدار السنة، بحيث صارت هكذا مناسبات، هي تجمعات مستمرة لعقد اللقاءات وما يطرح فيها عادة من مواضيع تخص الحالات الاجتماعية والاقتصادية لأبناء العوائل ونتيجة لذلك صارت هكذا مناسبات هي مصدر للمعلومات، وان خير من يجمع هذه المعلومات هن النسوة اللواتي يرتدن هكذا مجالس .
تكاد تكون تجربة فرع (معهد الرحمة المباركة) في البياع تحتاج الى اكثر من وقفة ، فهذه المبرة التي لم يمضي على افتتاح فرعها في منطقتنا اكثر من خمسة اشهر، قد دخلت الى عالم الاعمال الخيرية وتشعباتها بكل قوة، وهي تقدم خدماتها لأبناء المنطقة بكفاءة عالية واخلاص، بحيث لا يمض اسبوع، دون ان تكون هناك فعالية لتوزيع مساعدات تحصل عليها هذه المبرة بجهود فردية ومتابعات مستمرة وطرق ابواب قد تبدو مؤصدة، بالاضافة الى قيام عدد من المحسنين بالتبرع لها سواء من ابناء هذه المنطقة او من خارجها، لما حصلت عليه من سمعة جيدة وحالة متميزة خلال هذه الفترة القصيرة .
فعندما تصدت سيدة فاضلة لا يتعدى تحصيلها العلمي شهادة المتوسطة، ويساعدها بذلك زوجها الذي بالكاد يستطيع ان يكتب اسمه للقيام بمهمة تقديم خدمات لأبناء المنطقة، فأن اول ما واجهتهم هي مشكلة الحصول على شهادة تأسيس، والتي تمنح عادة من مكتب مساعدة المنظمات غير الحكومية، ولأن الحصول على هذه الشهادة يستغرق وقتا ليس بالقليل مع مستمسكات كثيرة ومراجعات متعددة، ولان الوضع الاجتماعي والاقتصادي الكارثي في المنطقة يقتضي الاسراع بتقديم الخدمات الانية، فقد تبرعت اخت فاضلة ترأس مؤسسة معهد الرحمة المباركة بالشهادة التأسيسية الخاصة بمعهدها، وسمحت لهم بفتح فرع في منطقة البياع يمكنهم من العمل بغطاء قانوني، خصوصا وان النظام الداخلي للمعهد المذكور يسمح له بفتح فروع، لذلك باشر الفرع اعماله وبقوة ريثما يتم الحصول على شهادة التسجيل المطلوبة .
لقد استطاعت هذه السيدة من استقطاب مجموعة من النسوة لمساعدتها في ادارة اعمال هذه المبرة، واغلبهن من ربات البيوت ولا يحملن اي مؤهلات علمية، بإستثناء رغبة حقيقية وصادقة في تقديم خدمات متعددة، لذلك شمرن عن سواعدهن ووظفن امكانياتهن في تقديم خدمات قد لا تجدها في مؤسسات عريقة، يغلب على عملها الطابع البيروقراطي والتنظير، والسعي لتحقيق منافع خاصة وشخصية، وسمعة مزيفة، ولم يمنع كبر سن بعضهن حيث منهن من هن جدات، بالعمل بهمة تحسدها عليها الشابات، وتم توزيع مهام العمل بينهن تبعا لاستعدادهن النفسي والجسدي لذلك، بإستثناء سيدتين واحدة تتولى اعمال الكومبيوتر، والاخرى تتولى تصوير الاحتفاليات كونها كانت تمارس التصوير في الاحتفاليات النسوية .
لقد بادرت ادارة المعهد الى فتح دورات لتعليم زرق الابر(والتي صارت ضرورية جدا بعد ارتفاع اعداد المرضى وممن يحتاجون الى علاج مستمر بصورة كبيرة) ، ودورات الخياطة، والعمل يجري لفتح دورات لصناعة الاطعمة لدخول مشروع لبيع هذه الاطعمة المنتجة على المطاعم والاسواق لتكون موردا تسد به بعض متطلبات العمل، كما تبرعت احدى العوائل بـ(تنور) لهذه المبرة من اجل عمل الخبز في مقر المعهد وبيعه على البيوت ليكون هناك مورد لتمويل مشاريع هذا المعهد.
قد تكون حالة الهيئة الادارية (الزوجة وزوجها) او الامناء او سمهم ما شئت، حالة تستحق الذكر فالزوج اعدم تسعة من اشقائه وشقيقاته من قبل النظام السابق، وكان هو الناجي الوحيد كونه كان في جبهة القتال وقت حصول عملية المداهمة في ليلة ظلماء، وزوجته مرت عائلتها بنفس الظرف، لذلك كانا امام مجموعة من الايتام هم من تبقى من عائلتيهم يتوجب عليهما رعايتهم، عليه فان الاحساس بمعاناة الايتام وما يكابدون قد بدأ مبكرا لديهما، وانه عندما تهيأت لهم الفرصة لخدمة شريحة الايتام لم يكن هذا العالم غريبا عليهم، بل انهم عاشوه وعايشوه ولامسوه بكل تفاصيله، ومرارته التي لا يزالان يشعران بها، لذلك اندفعا وبكل قوة للتخفيف عن الايتام وعن عوائلهم عندما تحسنت ظروفهم وكان مشروع تأسيس هذه المبرة هي احدى الوسائل التي سلكاها في سبيل تحقيق ذلك .
وقدر تعلق الامر بنا فقد قدمنا ومن خلال (مبرة الشاكري للتكافل الاجتماعي) و(رابطة المبرات العراقية) و(الرابطة الاعلامية) دعما معنويا وماديا ولم نبخل على الادارة بالمشورة والمساعدة في بعض الحالات التي لجؤا فيها الينا، لما لمسناه منهم من رغبة صادقة في العمل في هذا الميدان الواسع، ونقوم بزيارة المعهد كلما سمح لنا الوقت بذلك للأطلاع عن كثب على عملهم ومعوقاته، بالرغم من ان جميعهم لا يميزون ماهو الفرق بين (منظمات المجتمع المدني) و(المنظمات غير الحكومية)، الا انهم يدركون بوضوح ان هناك شريحة كبيرة من ابناء المجتمع هي بحاجة ماسة الى المساعدة، وهم قد انبرو وبكل اخلاص للقيام بهذه المهمة ووفروا امكانياتهم المتواضعة لتقديم ما يمكن تقديمه لمن يحتاج العون .
مع التقدير
وليد عبد الامير
13/4/2008