This site uses cookies for analytics and personalized content. By continuing to browse this site, you agree to this use.
We have updated our Privacy Notice, click here for more information Acknowledged

التمويل بين الاستقلالية وتدخل الجهات المانحة
18/01/2007

يعد مفهوم التمويل من اخطر القضايا حساسية والتي تطرح على الساحة لما يحمل هذا المصطلح من تأويلات وتوجيه أصابع الاتهام لمجرد الحديث عنه، وطالما جرى تبادل الاتهامات حول الجهات الممولة وليس بعيدا عن الأذهان ما دار في مصر حول من يمول مركز ابن خلدون الذي يديره الناشط في مجال المجتمع المدني الدكتور سعد الدين إبراهيم الذي تم اعتقاله في عام (2000)، وكيف جرت محاكمته وبعض الباحثين من مركز ابن خلدون ومن ثم البراءة للجميع، ونوقش في مجلس الشعب المصري ضرورة إصدار قرار يمنع الدعم الخارجي لمنظمات المجتمع المدني. وأثيرت أزمة سياسية بين الولايات المتحدة وروسيا لأن مجلس الدوما في روسيا أصدر قرارا يمنع بموجبه الدعم الخارجي لمنظمات المجتمع المدني في روسيا .التمويل في الكثير من الأحيان يخضع للعلاقات الاقتصادية والسياسية بين الدول لاسيما ان التمويل أصبح ظاهرة ملحة وضرورية للنمو الاقتصادي في البلاد ويأتي ذلك في أطار المشاريع الإنمائية. فأنشطة المجتمع المدني أنشطة طوعية تختلف من هذه الناحية اختلافا جوهريا عن أنشطة الحكومات، كما إنها تختلف عن الأنشطة الاقتصادية والمالية المتعلقة بأخلاقيات السوق لأنها تبحث وراء الخير والصالح العام وليس وراء الربح المادي، ولذا فكثيرا ما يشار إلى المجتمع المدني بأنه (القطاع الثالث).لتمييزه عن القطاع العام الذي تمتلكه الدولة والقطاع الثاني هو القطاع الخاص الذي يمتلكه الأفراد.
وينظر بعض الباحثين للتمويل بأنه عامل من عوامل التدخل السياسي الذي يحمل معه آثارا كبيرة على المستويين الاجتماعي والثقافي للدول المتلقية للتمويل، إذ يوظف الدعم الدولي الموجه للحكومات عامة ولمنظمات المجتمع المدني بشكل خاص لأهداف سياسية تحقق مصلحة الجهات الداعمة لدى الجهات المتلقية. وذلك من خلال ممارسة التأثير الثقافي والسياسي على الأخر  والعمل على أن تسود ثقافة وقيم الممول على تلك الخاصة بالمتلقي.. من الطبيعي أن تتحدد ملامح وطبيعة علاقة الجهات الداعمة بالجهات المتلقية بالقاعدة التي تقول " من يملك المال يملك القرار. فمن السذاجة أن نتصور أن مثل هذه العلاقة تقوم على حسن النوايا والمشاعر الإنسانية البريئة فقط. لكن من الخطأ أيضا النظر إلى جميع مصادر التمويل بنفس منظور التشكيك والاتهام. وليس من المنطقي أيضا وضع جميع منظمات المجتمع المدني وبرامجها تحت دائرة التشكيك.

 العلاقة بين المجتمع السياسي والمجتمع المدني

إذا كانت القاعدة الأساسية لعمل منظمات المجتمع المدني هي الاستقلالية فان أي تدخل من قبل المؤسسات الحكومية أو الأحزاب السياسية ما هي إلا بمثابة تشويه سمعة هذه المنظمات وبالتالي إفساد عملها وتغيير مسارها المستقل لاستغلالها أما لمصالح حزبية ضيقة وأما لدعم سياسة الحكومة وإن كانت جائرة.

ويعتقد البعض ان منظمات المجتمع المدني يجب ان لا تتلقى دعما من الدولة ومؤسساتها اذ يقال (ترتكب المنظمات أكبر خطأ حينما تطالب الحكومات بالدعم المادي، وبعض هذه المنظمات المدنية تلتجئ لمؤسسات حكومية ذات علاقة بمجال عملها مع المنظمة وترتبط بصورة مباشرة أو غير مباشرة من أجل الحصول على دعم مادي وعندها تفقد مصداقيتها الاستقلالية في العمل والرقابة. وبعض هذه المنظمات تعتمد على جمع التبرعات من الأعضاء أو دعم مادي من أصحاب رؤوس الأموال.

 منظمات المجتمع المدني في العراق والتمويل

تمويل المؤسسات المدنية في العراق يستغل من قبل جهات محدودة ولايصل لمنظمات المجتمع المدني الا الفتات من التمويل الضخـــم الذي خصص لبناء وتطوير منظمات المجتمع المدني في العراق. حيث خصص برايمر 70 مليون دولار لتنمية المنظمات المدنية العراقية، لكن أفراد يعدون بالأصابع سيطروا على مبالغ ضخمة منها، اذ  تهدر الأموال ولا يصل للمنظمات إلا القليل أو في بعض الأحيان تعتمد بعض الجهات المانحة على العلاقات الخاصة والجانبية والنفعية وتهميش كثير من المنظمات الفاعلة.

وهناك فجوة كبيرة بين الحكومة والمنظمات المدنية لأسباب كثيرة حيث أن رأي الحكومة العراقية بأن الإرهاب يستغل المنظمات ولابد من السيطرة عليها ومنع استغلال هذه الواجهات من قبل أعداء الشعب العراقي، بينما ترى عدد من المنظمات بأن الدولة تريد أن تسيطر على كل مرافق الحياة الاجتماعية كما كان الحال في النظام البائد وبالتالي لا يبقى مجال للمساءلة بين المنظمات المدنية والمؤسسات الحكومية. والعديد من رؤساء المنظمات المدنية طالبوا كثيرا بإلغاء وزارة الدولة لشؤون المجتمع المدني. الأمر الأكثر خطورة هو أن الأحزاب السياسية أستغلت عناوين المنظمات المدنية لمصالحها الحزبية خصوصا في العملية الانتخابية. الكثير من الأحزاب السياسية قد أنشأت عشرات المنظمات وتقوم بتمويلها لغرض كسب التأييد.

ولما يشكله التمويل من اهمية في عمل منظمات المجتمع المدني وما اثيرت حول مصادره وخصوصا التمويل الاجنبي من شبهات وشكوك، ومارافق مسيرة منظمات المجتمع المدني من معوقات يقع التمويل في الباب الاول منها، فضلا عن ما رافقه من عمليات استحواذ البعض على منح مخصصة للمجتمع المدني ، كل ماجاء اعلاه جعل البعض ينادي او يطالب بتدخل الدولة لمراقبة وتتبع مصادر التمويل ومنافذ صرفه.

فكانت لنا لقاءات مع عدد من الناشطين في منظمات المجتمع المدني.

الدعوة لتدخل الدولة

وبشان اهمية تدخل الدولة وضرورة دعمها وتمويلها لعمل منظمات المجتمع المدني قال جواد كاظم من (مركز الان للبحوث والدراسات الديمقراطية: لابد ان نشير الى مسألة مهمة وهي ان الدولة لابد ان تتدخل في عمل منظمات المجتمع المدني الذي لابد أن تتوفر فيه الشفافية والمساءلة ومعرفة مصادر التمويل وماهي مصادرها ومنافذ صرفها، فنحن نعلم ان هناك بعض المنظمات التي تساند وتقدم دعماً لجهات تمارس العنف وقد يكون هذا الدعم ثقافياً وإعلامياً يتم من خلاله تبرير هذه الأعمال. وبما ان العراق دولة غنية تمتلك الكثير من الموارد فلابد أن تخصص جزءاً من هذه الموارد لدعم منظمات المجتمع المدني حتى تنقذ هذه المنظمات من شروط الممولين وتدخلاتهم في الشأن الداخلي .
واضاف جواد كاظم: ان تدخل الدولة سلاح ذو حدين ففي الوقت الذي ندعوا فيه الى تدخلها فان هذا التدخل لابد ان يكون ايجابيا وبصدد اثر حرمان منظمات المجتمع المدني من التمويل على انجاز اهدافها قال: كان لفقدان الكثير من منظمات المجتمع المدني لمصادر التمويل الأثر الواسع على عملها لان الدولة لم تتدخل في هذا الجانب وان تدخلت فكان تدخلها غير داعم لمنظمات المجتمع المدني ، بل كان معرقلا لعملها ، وخصوصا العمل الذي قامت به في حجز أرصدة بعض منظمات المجتمع المدني وشدد جواد كاظم : ان تدخل الدولة سلاح ذو حدين ففي الوقت الذي ندعوا فيه الى تدخلها فان هذا التدخل لابد ان يكون ايجابيا  وبصدد اثر حرمان منظمات المجتمع المدني من التمويل على انجاز اهدافها قال:

كان لفقدان الكثير من منظمات المجتمع المدني لمصادر التمويل الأثر الواسع على عملها لان الدولة لم تتدخل في هذا الجانب وان تدخلت فكان تدخلها غير داعم لمنظمات المجتمع المدني، بل كان معرقلا لعملها ، وخصوصا العمل الذي قامت به في حجز أرصدة بعض منظمات المجتمع المدني  فيما كان المحامي عبير الهنداوي ( ناشط في المجتمع المدني ) يرى: المعروف ان معظم منظمات المجتمع المدني تعتمد في تمويل انشطتها على تبرعات ومساهمات الاعضاء، اذ تعد جهات غير ربحية، وقد تخصص الدولة بعض الدعم لهذه المنظمات ،الا ان الدولة من جانب آخر تفرض نوعاً من الرقابة على هذه المؤسسات، بل وتفرض عليها بعض الضرائب من خلال مراجعة ميزانيتها وسجلاتها وحساباتها، اذ لابد ان ينظم الميزانية مراقب حسابات معترف به ومسجل لدى الدولة، وتستطيع الدولة ان تثبت معيارا ما كي تميز بين المنظمات  الجادة عن المنظمات الوهمية. وبقدر تعلق الامر بمنظمات المجتمع المدني في العراق، فهي حالها حال كل مرافق الدولة والحكومة التي شهدت الكثير من الفساد المالي ولم يكن الأمر مقتصرا على منظمات المجتمع المدني، وهذا لا يعني التعميم، اذ هناك الكثير من منظمات المجتمع المدني الفاعلة والتي كانت مثالا للنزاهة.
وبشان الاستقلالية فالمفروض بمنظمات المجتمع المدني ان لاتتاثر بارادات الممولين وتوجهاتهم فتتحول الى اداة بيد هؤلاء فتفقد اهم اركانها الاستقلالية ،فضلا عن موقف الدولة التي لابد ان تتخذ موقفا ايجابيا من هذه المنظمات، لانها رديفها ومؤازرها المؤثر الفاعل  في الاستقرار وتوفير السلم الاجتماعي.

وبشأن الموضوع ذاته قال احمد محمد (منتدى المستقبل للثقافة والإبداع): منظمات المجتمع المدني في الغرب تمول بوسائل شتى، أهمها تبرعات مؤسسيها وأعضائها ومؤيديها، ثم بعد ذلك يأتي دور التشريعات والقوانين الضريبية التي تحفز أصحاب المشاريع والشركات والمؤسسات المختلفة على منح الهبات والتبرعات لهذه المنظمات المدنية مقابل إعفاءات ضريبية تقرها أنظمة ولوائح معينة حسب كل بلد. لذلك تتمتع هذه المنظمات والجمعيات باستقلالية مالية وإدارية، وتعد على وفق المفاهيم الديمقراطية سلطة خامسة بعد السلطات الثلاث المعروفة (التشريعية والقضائية والتنفيذية) فضلا عن السلطة الرابعة، الإعلام .وقد لا يربط هذه المنظمات بالدولة سوى إجازة العمل وبحسب أنظمة وقوانين الدولة ، التي تأطير عمل منظمات المجتمع المدني.

واكد احمد محمد ضرورة تدخل الدولة في تمويل ورعاية منظمات المجتمع المدني قائلا: من هنا نقول ان عمل منظمات المجتمع المدني لابد ان يؤسس على أسس قانونية ،تشرعها الدولة على وفق الدستور الذي يضمن رعاية الدولة لهذه المنظمات.
وبشان تدخل الدولة في مجال التمويل ومراقبة عمل منظمات المجتمع المدني قال ماجد عيدان من (مجلس الاقليات العراقية) :  باستطاعتنا ان نقول ان غياب الدولة بالكامل عن فضاء المجتمع المدني وغياب رقابتها بالكامل أدى الى فشل الكثير من الحلقات ، ونحن لا ننادي بتدخل الدولة الذي يخنق منظماتنا كما يحصل الآن ، اذ تحاول الدولة ان تكون بديلا عن المجتمع المدني من خلال بعض مؤسساتها ، فما معنى ان تكون هناك وزارة لشؤون المجتمع المدني ، فماذا قدمت هذه الوزارة لمنظمات المجتمع المدني ، وماذا قدمت أختها وزارة حقوق الإنسان للإنسان ، ووزارة شؤون المرأة ماذا قدمت هي الأخرى للمرأة ، وزارة الهجرة والمهجرين ماذا قدمت ، كل هذه الوزارات حاولت ان تكون بديلا عن المجتمع المدني الذي ساهمت في تغييبه من خلال استلامها للكثير من التخصيصات المالية او المنح إلا إنها لم تقدم شيئا في مجال الأهداف التي أنشئت من اجلها.
الحقيقة نحن نبحث عن شراكة بين المجتمع المدني والدولة لصالح الإنسان ولصالح تأسيس ثقافة مدنية ، ولأننا لحد الآن لم يدخل لدينا القطاع الخاص على قناة التمويل لهذا علينا ان نعمل من خلال الية الشراكة مع الدولة في تفعيل دور القطاع الخاص وهذا يعتمد على تعامل الدولة معه وتشجيعه ليصبح شريكا في عملية بناء المجتمع المدني.
وقال راضي المترفي من ( الجمعية العراقية للدفاع عن حقوق الصحفيين): بشان تمويل منظمات المجتمع المدني من قبل منظمات  وجهات دولية  مانحة ومن خلال تقديم برامج تقوم بها منظمات المجتمع المدني ويفترض بهذا التمويل او الدعم ان لايؤثر على استقلالية منظمات المجتمع المدني.

الا ان هناك منظمات مجتمع مدني وهمية تقوم باعداد مشاريع وتقديمها الى الجهات المانحة ومن ثم الحصول على المنح الا ان المشاريع التي اخذت على اساسها  المنح لاتنفذ ويصرف جزء على المشروع فيما يذهب ماتبقى من التمويل الى جيوب القائمين على هذه المنظمات .أنا أرى أن لا مجال لتدخل الدولة في  التمويل ما لم تكن هناك برامج مشتركة تنفذها منظمات المجتمع المدني  ، والا تحولت تلك المنظمات  الى مؤسسات تابعة للدولة وتنفذ سياستها وبذا تفقد استقلاليتها.

التمويل والفساد والمجتمع المدني

وبشان التمويل وما رافقه من فساد تمثل باستحواذ البعض على المنح المخصصة لمنظمات المجتمع المدني قال احمد محمد:في التجربة العراقية التي بدأت