This site uses cookies for analytics and personalized content. By continuing to browse this site, you agree to this use.
We have updated our Privacy Notice, click here for more information Acknowledged

أزمة غذاء طاحنة تهدد بالمجاعة والعنف
23/04/2008

 

 

بغداد ـ عدنان شيرخان- الصباح
يزداد حجم القلق الدولي من ازمة غذاء من المتوقع ان تضرب انحاء متفرقة من دول العالم الثالث، واضفت تقارير من الامم المتحدة ومنظمات اقتصادية دولية للموضوع ثقلا واهمية ومصداقية وحسب البرنامج التابع للأمم المتحدة فإن النقص في الحبوب والبقول والزيوت يهدد حياة الملايين في عدد كبير من دول العالم خاصة افريقيا. وتتوقع تقارير دولية أن يواجه نصف سكان الكرة الارضية مصاعب غذائية كبيرة خلال الشهور المقبلة، بعد ما وصل الغلاء الى أسعار الرز، وهو العنصر الرئيس الذي يغذي أكثر من 3.3 بليون نسمة حول العالم ، وما يزيد من المخاوف، احتمال قفز هذه الاسعار في العالم على نحو لا يستطيع معه أكثر من بليون نسمة من فقراء آسيا وافريقيا واميركا الجنوبية شراءه، ووفقاً لمنظمة الزراعة والأغذية الدولية، "الفاو" فإن أسعار المواد الغذائية ارتفعت حول العالم 45 بالمئة خلال الأشهر التسعة الأخيرة، وبالتأكيد فإن ذلك يشكل معضلة حقيقية.  وكما هو واضح فأن  دول العالم الثالث  ستتحمل وزر هذه الازمة، واذا اردنا ان نكون اكثر دقة فأن عبء الأزمة الخانق يقع فعلياً على عاتق الشرائح الأقل قدرة على التحمل.
أسباب الأزمة
للازمة الحالية المرشحة للتصاعد اسباب، يرجعها مختصون الى زيادة عموم الطلب العالمي الذي ادى بسرعة الى اختلال التوازن بين العرض والطلب الذي يعود بدوره الى تضاؤل مخزون الغذاء خلال الأعوام القليلة الماضية، بمعنى ان  العالم دأب على استهلاك كميات اكبر بكثير مما يمكن انتاجه. وبشأن انتاج الرز يقول المعهد الدولي لأبحاث الرز ومقره الفلبين إن عوامل عديدة تقف وراء ارتفاع أسعاره، منها تقلص مساحة الأراضي المخصصة لانتاج الرز والمتوفر له من مياه الري بسبب استخدامها في المشاريع الصناعية والحضرية. كما أن تزايد إقبال الطبقة الوسطى في المدن الآسيوية وخاصة في الهند والصين على استهلاك اللحوم ومنتجات الألبان يؤدي إلى تضاؤل مساحة الأراضي المخصصة لزراعة الرز، اضافة الى عوامل اخرى مثل سوء الاحوال الجوية كحدوث الفيضانات في إندونيسيا وبنجلاديش وبرودة الطقس مؤخرا في فيتنام والصين، وآثار ظاهرة الانحباس الحراري الاخرى. وثمة سببان جديران بالوقوف عندهما اولهما توجه الكثير من المؤسسات الحكومية والخاصة في دول عديدة الى تحويل استثماراتها وأموالها إلى أسواق المواد الأولية متسببة بالمزيد من ارتفاع الأسعار. والسبب الآخر يتعلق بالإقبال على الوقود العضوي بسبب ارتفاع أسعار النفط ما ادى الى نقص كبير في المعروض من الأغذية.
التداعيات
يتوقع مدير منظمة الزراعة والأغذية الدولية "الفاو" جاك ضيوف أن تنتشر مظاهر عدم الاستقرار حول العالم مع إنفاق معظم الناس لاكثر من نصف رواتبهم لتأمين لقمة العيش، وتدخل في هذا الإطار معظم أرجاء قارة أفريقيا وأقسام واسعة من الشرق الأوسط حيث لاتزال معدلات الفقر مرتفعة، وقال ضيوف، في مؤتمر صحافي من مقر منظمة الفاو في روما: " من الطبيعي ألا يجلس الناس ساكنين، وهم يتضورون جوعا. انه سيتحركون"، وبالفعل وكما توقع ضيوف فان اندونيسيا والفليبين وهاييتي شهدت (اعمال شغب) بسبب الغذاء. .وتشير تقارير الامم المتحدة الى ان اكثر من 30 دولة نامية معرضة للاضطرابات والقلاقل بسبب تفشي الفقر والجوع.
الأشد في مصر
وفي مصر تزداد طوابير المنتظرين على المخابز للحصول على رغيف الخبز المدعوم، وتزداد مع ساعات الانتظار الطويلة المشاكل التي تصل احيانا الى حد المشاجرات والمصادمات، وتتصاعد احتجاجات المواطنين بسبب عدم كفاية الكمية التي يحصلون عليها وطول ساعات الانتظار، وشكواهم من ضعف الرواتب والاجور، وكرد فعل لهذه الاحوال انطلقت حملة  ساهمت في تنشيطها العديد من المواقع الكترونية على الانترنت ورسائل الهواتف الجوالة، تدعو  المصريين اول الامر للامتناع عن شراء المواد الغذائية احتجاجا على ارتفاع في أسعار السلع، ونقص في الخبز بالأسواق، ثم تطور الامر بدعوة قوى عمالية وسياسية ومنظمات المجتمع المدني لاتخاذ يوم السادس من الشهر الجاري يوما للاضراب العام والاحتجاج على تدني الأوضاع المعيشية المتأثرة بارتفاع الأسعار وثبات المرتبات، ولكن النظام السياسي كان له رأي آخر بشأن تخصيص يوم للاضراب، وحذرت الحكومة المصرية المواطنين من المشاركة في الإضراب، وافاد بيان صادر عن وزارة الداخلية المصرية " باتخاذ إجراءات حاسمة ضد أي فعل يترتب عليه عرقلة سير مرفق عام أو يهدد مصالح المواطنين الحيوية ومن شأنه الإضرار بالمصلحة العامة". وعادت بعض الصحف المصرية التابعة للدولة والمدافعة عن سياساتها الى اعادة تسويق التهمة القديمة المتجددة بربط الدعوة للاضراب بقوى مشبوهة(عميلة) تريد بمصر السوء، مؤكدة ان قمع الاضراب لا علاقة له بحرية التعبير السلمي عن الرأي التي يكفلها الدستور. ونجحت قوات الأمن المصرية نتيجة للخبرة الكبيرة المتراكمة في الحد من فعالية الاضراب، واعتقلت  عشرات الأشخاص من الناشطين بالحركة المصرية من أجل التغيير "كفاية" وأحزاب المعارضة الأخرى، إضافة إلى عشرات عمال شركة "غزل المحلة"، أكبر شركات النسيج في مصر، بتهمة "التحريض على الإضراب، وأصيب عشرات المصريين خلال الدعوة للإضراب العام في عدة مناطق. وقد انتشرت الدعوة للإضراب على نطاق واسع. وقالت وكالة رويترز إن مصريين غاضبين من الحكومة أضرموا النار في متاجر ومدرستين وسيارات في مدينة المحلة الكبرى المشهورة بصناعة الغزل والنسيج. ونقلت الوكالة المذكورة عن شهود عيان قولهم ان معارك شوارع دارت في المدينة بين قوات الأمن ومحتجين يقودهم عمال الغزل والنسيج سقط فيها ما يزيد على مئة مصاب .
اجراءات حكومية
 يعلم الرئيس المصري حسني مبارك الذي يحكم بلاده منذ 27عاماً، مدى العلاقة الوطيدة بين وفرة الغذاء والاستقرار الشعبي، لكن المشكلة بالنسبة له ولسائر القادة في دول العالم الثالث أنهم في الطريق الى ان يفقدوا قدرتهم على التحكم بهذه المعادلة الدقيقة بسبب ازمة الغذاء الحالية، لان الازمة عالمية وتتعلق باسعار لا يمكن لي ذراعها. وتكافح الحكومة المصرية لاحتواء الغضب الشعبي حيال الازمة متخذة عدة إجراءات لمحاولة وقف الارتفاع المستمر في أسعار السلع الغذائية الأساسية ومواد البناء. وأمر الرئيس حسني مبارك المخابز التابعة للجيش بإنتاج 1.2 مليون رغيف خبز يوميا لتوفير المزيد من الخبز في السوق للمساهمة في حل أزمة توزيع رغيف الخبز بعد أن أصبح مشهد الطوابير الطويلة أمام منافذ التوزيع امرا يوميا معتادا، وطلب من حكومته زيادة العلاوة السنوية للعاملين بها باكثر من النسبة المعتادة لمواجهة ارتفاع الاسعار. وقررت الحكومة وقف تصدير بعض السلع الضرورية مثل الرز. واعفيت منتجات الالبان وزيت الطعام من الرسوم الجمركية. كما رفع القرار ايضا الرسوم الجمركية عن انواع من الاسمنت والصلب والادوية المعالجة للفشل الكلوي وعلاجات السرطان وامراض الكبد والسخانات الشمسية. وعلى ارض الواقع تواجه الاجراءات الحكومية للحد من حدة الازمة بشكوك قوية، لان هذه الاجراءات وبحسب العديد من المختصين اقل من ان تواجه ازمة اقتصادية قوية، ويرى معارضون للحكومة ان الرئيس مبارك ماطل في اتخاذ بعض القرارات الاقتصادية الصعبة، حتى فاجأته الأزمة العالمية، ويوجه ناشط مدني في حركة كفايه نقدا لاذعا الى  سياسة الحكومة بقوله : "الفقر في حد ذاته ليس مؤلما، المؤلم هو غياب المساواة في بلد يعيش فيه 20 مليون شخص في حالة فقر بينما توجد فيه أفضل ملاعب الجولف في العالم". ويتهكم كاتب من معدة المواطن الكادح التي يضرب بها المثل لقدرتها ِِعلى هضم "الزلط"، والتي عجزت عن هضم لحوم الكفتة والشاورما المصنوعة من لحوم الحمير النافقة. وهي المأساة التي هزت الشارع المصري في الأيام الماضية.
أزمة داخل ازمات
اعادت الازمة الحالية والتي يرى البعض من المؤسسات الدولية انها مرشحة للاستمرار والتصاعد خلال العامين المقبلين الحديث بشأن  مشكلة تزايد معدلات الفقر في الدول النامية، وبددت الادعاء " أن الجوع الصريح كان مشكلة ظن العالم انه حلها"، والاعتقاد بأن وفرة الانتاج الزراعي وتراجع الفقر المطلق ادى الى خفض المجاعة وسوء التغذية. بل سيحدث العكس تماما وستزداد أعداد من هم في حاجة إلى المساعدة في جميع أنحاء العالم، وسيواجه ملايين من الأشخاص الخطر. وحسب البرنامج التابع للأمم المتحدة فإن النقص في الحبوب والبقول والزيوت يهدد حياة الملايين في نحو 37 دولة من دول العالم خاصة افريقيا. الأسواق الدولية تشهد تزامن مجموعة من العوامل التي يستطيع كل منها على حدة التسبب بأزمات كبيرة، فمن جهة ما يزال الطلب العالمي على الغذاء مرتفعاً رغم التراجع المتوقع في نمو الدول الكبرى، ومن جهة أخرى ولّد الإقبال على الوقود العضوي بسبب ارتفاع أسعار النفط نقصاً كبيراً في المعروض من الأغذية، مما دعا الامين العام للامم المتحدة بانكي مون الى مراجعة سياسة الوقود الحيوي، التي تتعرض الى ما يشبه الادانة الاخلاقية، باستخدام محاصيل زراعية كوقود للسيارات، في الوقت الذي تحتاج ملايين  البشر لها كطعام.
وحذر مدير صندوق النقد الدولي دومينيك ستراوس من ان مئات الالاف من الاشخاص سيعانون من المجاعة اذا استمرت اسعار الغذاء العالمية ارتفاعها، ومن جانبه قال مدير البنك الدولي روبرت زوليك ان ارتفاع أسعار المواد الغذائية قد يزيد مستوى الفقر لمئة مليون شخص، مضيفا ان ازمة الارتفاع الصاروخي في اسعار المواد الغذائية الاساسية يعود اساسا الى التوسع في استخدام المحاصيل لاستخراج الوقود الحيوي. واقترح زوليك خطة عمل لتشجيع الانتاج الزراعي على المدى البعيد، مناشدا الدول الاعضاء بالبنك بالتبرع بـ250 مليون دولار للمساعدة في التخفيف من المشكلة. ووفقا لإحصائيات المنظمة فإن أسعار الغذاء قد ارتفعت في العالم عام 2007 بنسبة 40 بالمئة، وفي الشهر الماضي وصلت اسعار الرز الى مستوى قياسي خلال 19 عاما.
دور مشبوه
تسود في انحاء مختلفة من العالم الثالث نظرة عدائية تشاؤمية تجاه منظمات اقتصادية كصندوق النقد الدولي والبنك الدولي وحتى اخرى تابعة للامم المتحدة، وبرغم بساطة المعلومات الاقتصادية التي يمتلكها عموم المواطنين، الا ان ثمة تخوفاً من  عبارات مثل عولمة الاقتصاد الدولي وعولمة الاسعار وارتفاع الأسعار، وتتعالى اصوات برفض هذه السياسات وعدم الانجرار والاندفاع للدوران في فلك هذه المنظمات، التي تهدف الى الضغط على الحكومات للتخلي عن دورها التقليدي بدعم الطبقات الفقيرة والتعهد بعدم زيادة الانفاق الاجتماعي في الموازنة العامة للدول، وهذا من صميم شروط معظم المنظمات الاقتصادية الدولية للاستدانة او اطفاء او جدولة الديون التي بذمتها، اضافة الى ضغط  صندوق النقد الدولي ومنظمات اخرى لتبني سياسات الخصخصة التي تثقل كاهل المواطنين، في دول لا تزال يعاني اقتصادها من مشاكل العجز والفقر.
ولا عجب ان نجد من يقول ان الازمة الحالية لارتفاع اسعار المواد الغذائية ازمة مفتعلة ومن تدبير هذه المنظمات وبمشاركة دول كبرى، ويلقى مثل هذا التفسير رواجا في دول العالم الثالث، وثمة من يفسر ان كمية الغذاء التي تنتج وتحديدا المحاصيل الزراعية الغذائية، لم تشهد نقصا حادا بقدر ما ارتفعت الاسعار، اي ان العرض لم ينخفض بشكل يؤدي الى ارتفاع الذي حصل،  وحتى الزيادة الكبيرة التي طرأت على الاسعار لن تذهب لصالح الفلاحين والمزارعين في دول العالم الثالث، وانما الى جيوب شركات وكارتلات تضارب بهذه الاسعار.
الازمة ستكون في عقر دار الدول النامية والفقيرة منها بشكل خاص، وتستطيع الدول الغنية من تجاوزها بسهولة، ووفقا للقاعدة الاقتصادية التي تفيد  بتناسب الانفاق الاجمالي للمستهلكين على الغذاء تتناسب عكسيا مع مستويات الدخل. فعلى سبيل المثال يمثل الغذاء 60 بالمئة من سلة الاستهلاك للسكان في افريقيا جنوب الصحراء، فيما لا يمثل اكثر من بالمئة في الصين و10 بالمئة فقط في اميركا، حسب تقديرات صندوق النقد الدولي.