This site uses cookies for analytics and personalized content. By continuing to browse this site, you agree to this use.
We have updated our Privacy Notice, click here for more information Acknowledged

بعيداً من الأعمال التقليدية..قروض متناهية الصغر في متناول الشباب
30/04/2008

 

 

القاهرة - أمينة خيري     الحياة     

تقول الرسائل الرسمية العربية في وسائل الإعلام والمناهج التعليمية، وحتى في الإعلان عن الخطط الحكومية إن زمن التعيينات الحكومية ولى وأدبر وأن هذا هو أوان العمل الخاص والمشاريع الصغيرة التي ينجزها الشباب بعيداً من إثقال كاهل الحكومات بتشغيلهم. لكن أي مصرف سيقدم قرضاً مهما كان صغيراً، لشاب لا يملك من الضمانات سوى اسمه وبطاقة هويته ومحل سكنه مع أهله؟ والأدهى من ذلك، ماذا يفعل الشاب لو لم يكن حاصلاً أصلاً على قسط معقول من التعليم؟

حسين (25 سنة) تخرج في كلية التجارة قبل عامين، لا يملك ما يبدأ به حياته العملية سوى شهادته الجامعية التي توجه بها إلى مصرف قريب من بيته ليتقدم بطلب الحصول على قرض يبدأ به مشروعاً صغيراً يمكنه من أن يقف على قدميه بعيداً من والده المثقل بكلفة تربية بقية أشقائه وتعليمهم، اكتشف حسين بعد حديث مقتضب مع أحد الموظفين أن فرصة حصوله على قرض من المصرف أقرب ما تكون إلى المستحيل.

حال حسين ليست غريبة أو غير معتادة، فهناك الملايين مثله في العالم العربي من شباب وشابات يحلمون ببدء حياة عملية بعيداً من الأعمال التقليدية من خلال مشروع صغير، لا يحتاج إلا إلى تمويل على هيئة قرض صغير، وما زالوا يبحثون عن وسيلة للحصول عليه.

القروض المتناهية الصغر صناعة شابة وسريعة النمو في المنطقة العربية، وهي من أبرز السبل لخفض حدة الفقر وإيجاد فرص عمل في المنطقة. وإذا كانت هناك جهة تقدم هذه القروض بشروط ميسرة ومعها مساعدة تقنية للشباب لتنفيذ مشاريعهم يكون الوضع مثالياً للملايين من الباحثين عن فرصة عمل عزت وندرت في هذا الزمن.

تقول مديرة برنامج الإقراض الصغير في مؤسسة التمويل الدولية، مؤمنة إيغازودين إن الاتجاه حالياً يصب في تأسيس مصارف متخصصة بالإقراض المتناهي الصغر وتضيف: «هذه المصارف لا تهتم بالملابس التي يرتديها العميل أو نوع السيارة التي يوقفها أمام المصرف إلى آخر القائمة التي غالباً ما تشكل نوعاً من الحرج للعملاء الشباب الراغبين في الحصول على قروض صغيرة جداً ولا يتعاملون بالملايين أو حتى الآلاف المعتادة في البنوك التقليدية».

وتشرح: «مثل هذه المصارف غير التقليدية والتي بدأت تعرف طريقها الى عدد متزايد من الدول العربية لا تقتصر على استقبال العملاء فقط، بل يمكنها الانتقال بنفسها لزيارة العميل في محل سكنه. فموظف القروض الصغيرة يمكنه أن يتجول في السوق مثلاً ليتحدث مع العملاء الصغار ويقدم لهم خدمات المصرف أينما كانوا».

خدمات القروض الصغيرة متاحة في عدد من الدول العربية مثل المغرب والأردن والأراضي الفلسطينية. وتشير إيغازودين إلى عدد من الأمثلة الناجحة لشباب تمكنوا من خلال القروض المتناهية الصغر من تحقيق نقلات كبيرة في نوعية حياتهم وأسرهم. فمثلاً أ.م. الموظف في أحد مصارف رام الله، بدأ الى جانب عمله مشروعاً أسرياً مع زوج شقيقته، إذ افتتحا مخبزاً بعد ما حصل على قرض صغير مكنه من استخدامه في شراء الأرفف الخشبية وواجهات العرض. ونجح المشروع وهو يتوسع حالياً فيه، إذ فتح مصنعاً صغيراً على مشارف رام الله بالإضافة إلى محل آخر في وسط المدينة.

نماذج النجاح في مجال القروض الصغيرة المتناهية الصغر عديدة، لا سيما أن مثل هذه القروض تأتي ومعها الدعم التقني. وكانت المؤسسة باشرت مبادرة تحت عنوان «الشباب والمشاريع غير الرسمية». هذه المبادرة قامت بسبب مشكلة البطالة المتزايدة بين الشباب في غالبية الدول النامية. وتقول إيغازودين: «إن المبادرة تمكن الشباب من الجنسين من التعرف إلى فرص السوق البازغة، وهو ما يعني تمكنهم من المشاركة إيجابياً في تنمية مجتمعاتهم على أرض الواقع».

وتساعد المبادرة على إدماج الشباب في سوق العمل من خلال مشاريع صغيرة، إضافة إلى تقديم مزيد من الدعم الفني للشباب المتواجدين أصلاً في السوق والذين هم في حاجة إلى تحسين أدائهم كأصحاب أعمال صغار، ومن ثم تحسين مناخ العمل بالنسبة إلى الشباب المهمش.

وعلى رغم وجود مشاكل عدة خاصة بمجال القروض المتناهية الصغر في غالبية الدول العربية، إلا أن إيغازودين تشير إلى أن سورية هي من أكثر الدول العربية التي عملت على تذليل هذه القيود البيروقراطية.

هذا الاتجاه نحو القروض المتناهية الصغر وإدماج الشباب في مشاريع صغيرة بعد حصولهم على الدعم الفني والتقني اللازمين يتـــمان على أرض الواقع بالتعاون مع منظمات المجـــتمع المدني التي تقـــوم بدور الوســيط البنوك المتخصصة في الإقراض الصغير والشـــباب الراغب في الانتفاع منها.

المثير أن النجاح الذي يحققه هذا الاتجاه يتحدى أقسى الظروف السياسية وأصعبها. وتعطي إيغازودين مثالاً على ذلك أفغانستان التي مزقتها الظروف السياسية والعسكرية، وعلى رغم ذلك حققت المشاريع الصغيرة القائمة على إقراض متناهي الصغر نجاحاً غير مسبوق. فمثلاً مصطفى (24 سنة) صيدلي شاب يملك حالياً صيدلية صغيرة على مقربة من كابول. يعيل مصطفى أسرة مكونة من خمس شقيقات وشقيقين، وقبل عامين فكر في توسيع نشاطه، فحصل على قرض قدره 1500 دولار أميركي، ونجح في مهمته، حتى أنه عين موظفاً معه ليساعده في العمل. كما زادت مبيعاته بنسبة 15 في المئة في ستة أشهر. وسدد مصطفى قيمة القرض بالكامل ويفكر حالياً في التقدم للحصول على قرض آخر لتحقيق مزيد من التوسع.

وفي لبنان، نشطت مؤسسة التمويل الدولية في قطاع الإقراض المتناهي الصغر في أعقاب حرب تموز (يوليو) 2006 من أجل المساهمة في إعادة الإعمار من خلال هذا القطاع. وتقول إيغازودين إن الإقبال كان كبيراً على هذه القروض التي حققت نجاحاً منقطع النظير مع ارتفاع نسبة مردودها وهو ما يدل على النجاح حتى في أحلك الظروف.

قد تكون المشاريع بالفعل صغيرة، وقد تكون القروض متناهية الصغر، لكن الفكرة تستحق التفكير والمحاولة، لا سيما أن البدائل ليست كثيرة.